غرشوبة المناصير- عضو جديد
من طرف غرشوبة المناصير الأحد 18 يوليو - 11:37
[b]
فعندها قال له إبراهيم: (سلام عليك) أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذى، بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيراً فقال: { سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } (سورة مريم:47) .قال ابن عباس وغيره: أي لطيفاً، يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له، ولهذا قال: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً }(سورة مريم:48) .وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } (سورة التوبة:114) .وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثني أخي عبد الحميد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقي إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ، فيؤخذ بقوائمة فيلقى في النار"وقال في التفسير: وقال إبراهيم بن طهمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة. وهكذا رواه النسائي عن احمد بن حفص بن عبد الله، عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان به، وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وفي سياقه غرابة. ورواه أيضاً من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } (سورة الأنعام:74) .هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر، وجمهور أهلالنسب، منهم ابن عباس، على أناسمأبيه تارخ، وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء المعجمة، فقيل: إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر. وقال ابن جرير: الصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان، او أحدهما لقب والآخر علم. وهذا الذي قاله محتمل. والله أعلم. ثم قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } * {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } * {فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } * {فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }*{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * {وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * {ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } (سورة الأنعام:75ـ83) .وهذا المقام مقام مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذا الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة، لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل؛ لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة، تطلع تارة وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافيه، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله ألا الله هو ولا رب سواه. فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب لذلك، قيل: هو الزهرة؛ ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أَضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلي الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة، كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } (سورة فصلت:37) .ولهذا قال: فلما رأى الشمس بازغة أي: طالعة {قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }*{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } (سورة الأنعام:78ـ80) .أي: لست أبالي في هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله، فإنها لا تنفع شيئاً ولا تسمع ولا تعقل، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها، أو مصنوعة منحوتة منجورة. والظاهر ان موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كانوا يعبدونها، وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيراً، كما ذكره ابن إسحاق وغيره وهو مستند إلي أخبار إسرائيل لا يوثق بها، ولاسيما إذا خالفت الحق. وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانها، كما قال تعالى: {وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } (سورة العنكبوت:25).وقال في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } * {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } * {قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } * {قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * {قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } * {قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ }* {وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * {قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } * {قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } * {قَالُوۤاْ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ } * {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ }* {فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوۤاْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * {ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ } * {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ } * {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }* {قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } * {قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ } (سورة الأنبياء:51ـ70) .وقال تعالى في سورة الشعراء: {وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } * {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } * {قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } * {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * {أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * {قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } * {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } * {أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } * {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ }* {ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } * {وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } * {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } * {وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } * {وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } (سورة الشعراء:69ـ82) .وقال تعالى في سورة الصافات: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ } * {إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } * {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }* {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } * {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } * {فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ } * {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } * {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } * {فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ } * {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } * {وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } * {قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } * {فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } (سورة الصافات: 83ـ98) .يخبر تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام، إنه أنكر على قومه عبادة الأوثان وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها، فقال: {مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } (سورة الأنبياء:52) .أي: معتكفون عندها وخاضعون لها، قالوا: {وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } (سورة الأنبياء:53) .ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد. {قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } (سورة الأنبياء: 54) . كما قال تعالى: إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ } * {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } * {فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } (سورة الصافات:85ـ87) .قال قتادة: فما ظنكم به أنه فاعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره. وقال لهم: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } * {أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } * {قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } (سورة الشعراء:72ـ74) .سلموا له أنها لا تسمع داعياً ولا تنفع ولا تضر شيئاً، وإن الحامل لهم على عبادتها الاقتداء بأسلافهم ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال، ولهذا قال لهم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } * {أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } * {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } (سورة الشعراء:75ـ77) .وهذا برهان قاطع على بطلان إلهية ما ادعوه من الأصنام؛ لأنه تبرأ منها وتنقص بها، فلو كانت تضر لضرته، أو تؤثر لأثرت فيه. {قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } (سورة الأنبياء:55) .يقولون: هذا الكلام الذي تقوله لنا وتنتقص به آلهتنا، وتطعن بسببه في آبائنا تقوله محقا جادا فيه أم لاعباً؟.
{قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } (سورة الأنبياء:56) .يعني: بل أقول لكم ذلك جادا محقا، إنما إلهكم اله الذي لا إله إلا هو، هو ربكم ورب كل شيء لا شريك له، فاطر السماوات والأرض، الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنا على ذلكم من الشاهدين. وقوله: {وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } (سورة الأنبياء:57) .أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد ان يولوا مدبرين إلي عيدهم. قيل: إنه قال هذا خفية في نفسه. وقال ابن مسعود: سمعه بعضهم. وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلي ظاهر البلد، فدعاء أبوه ليحضره فقال: إني سقيم: كما قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ } * {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } (سورة الصافات:88ـ89) .عرض لهم في الكلام حتى توصل إلي مقصودة من إهانة أصنامهم ونصرة دين الله الحق وبطلان ما تهم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر وأن تهان غاية الإهانة. فلما خرجوا إلي عيدهم، واستقر هو في بلدهم {فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } (سورة الصافات:91) .أي: ذهب إليها مسرعاً مستخفياً، فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها، فقال لها على سبيل التهكم والازدراء {أَلا تَأْكُلُونَ } * {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } * {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } (سورة الصافات:91ـ93).لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر، فكسرها بقدوم في يده، كما قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً } (سورة الأنبياء:58 ).أي: حطاماً، كسرها كلها {إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } (سورة الأنبياء:58) .قيل إنه وضع القدوم في يد الكبير، إشارة إلي أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار!. فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم {قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } (سورة الأنبياء:59) .وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون، وهو مخا حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء، لكنهم قالوا ما جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم وخبالهم .{مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } ر(سورة الأنبياء:59) .{قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } (سورة الأنبياء:60) .أي: يذكرها بالعيب والتنقص لها والازدراء بها، فهو المقيم عليها الكاسر لها. وعلى قول ابن مسعود: أي يذكرهم بقوله: {وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } (سورة الأنبياء:57) .{قَالُواْ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ } (سورة الأنبياء:61) .[/b]