هذا نبينا صلى الله عليه وسلم |
هذا نبينا صلى الله عليه وسلم |
جمع وإعداد: محمد بن عوض العنزي |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ ستعرف في هذا المقال: عفو النبي وحلمه. عدد الذين قتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم-بيده الشريفة في جميع الغزوات والسرايا. عدد القتلى من النساء. عدد قتلى المسلمين. عدد قتلى المشركين, مع المقارنة بالواقع اليوم الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وأصلى وأسلم على من بعثه ربه رحمةً للعالمين ومناراً للسالكين وحجةً على العباد أجمعين، فاللهم صلِّ عليه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أمّا بعد: فكلكم يعرف ما يتعرض له مقام النبي ﷺ الشريف بين الفينة والأخرى؛ خصوصاً مع ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مؤخراً، وللأسف الشديد أن بعضهم من بني جلدتنا فتجده يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً، وربما كانت عليه وبالاً في الدنيا والآخرة، لن أطيل في هذه المقدمة، وإنما سأقتصر في الكلام هنا على محورين أساسيين: المحور الأول سيكون عن: صور من عفو النبي ﷺ وحلمه. والثاني: مقارنة يسيرة عن أعداد المقتولين على مدى عشر سنوات من غزوات وسرايا النبي ﷺ وفيها بعض الإحصائيات. المحور الأول: (صور من عفو النبي ﷺ وحلم) أ- ذهب النبي ﷺ إلى الطائف يدعو الناس إلي الإسلام؛ بعدما كذبه قومه وسفّهوه وعذبوا أصحابه وطاردوهم، ولاقى منهم أصناف الأذى فعزم على الذهاب إلى الطائف فقابله أهلها بالسب والتسفيه والحجارة حتى ابتل ﷺ وغشي عليه، ومع ذلك يقول له ملك الجبال لو أمرتني أطبق عليهم الأخشبين قال: لا أريد هلاكهم فإنهم لو لم يؤمنوا أرجو أن يؤمن أولادهم. ب- عندما كسر الكفار رباعيته ﷺ في غزوة أحد وشجوا وجهه وجرحوا رأسه حتى إنه وقع في حفرة، فقال الصحابة: لو دعوت عليهم، فقال: إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. جـ – وهذا موقف عظيم ينبئ عن كريم أخلاقه ﷺ، كيف لا ؟ وقد قال الله ﷻ عنه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، ‹‹نام النبي ﷺ تحت شجرة وحده، وسيفه معلق فجاء غورت بن الحراث، فأخذ السيف وقال: من يمنعك مني ؟ فقال النبي ﷺ: الله، فسقط السيف من يده فأخذه النبي ﷺ، وقال: من يمنعك مني ؟ قال كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه، فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس››[1]. د- ‹‹عندما تعرض هبار بن الأسود لزينب بنت رسول الله ﷺ حين هاجرت فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها ففر ثم جاء إلى النبي ﷺ طالباً عفوه، فعفا عنه››[2]. ما قـال لا قـط ْ إلا فـي تشهده لولا التشهـّد كانـت لاءه نـعمُ عـمَّ البريـة بالاحسـان فانقشعت عنها الغياهب والامـلاق والعـدمُ اذا رأتـه قريـش قـال قائلهـا الى مكارم هذا ينتهـي الكـرمُ ولن أطيل عليكم، فالقصد من إيراد مثل المواقف الكثيرة ليس حصرها وبيان كل منها وإلا لطال بنا المقام، ولا أظنه ينتهى، ولكن هي شواهد حية، لابد أن نعيشها ونتدبرها ونعلمها ونتعلمها ونجعلها نبراس حياتنا، وسأختم هذا المبحث بحادثة لعل بعضا منا يعرفها، لكن وأنت تقرأ هذه الأسطر القادمة لا أريد منك أيها القارئ الكريم إلا أن تتأمل معي حال النبي وأصحابه قبل الهجرة عندما كانوا يُعذبون في طرقات مكة وساحاتها تذكر حال بلال حين يؤخذ في عز الظهيرة ويسحب وتوضع الحجارة على ظهره، تأمل حال عمار حين فُعل به ما فُعل، تذكر حال الطاهرة سمية الذي طعنها المجرم فحازت قصب السبق فكانت أول شهيدة، وتذكر حال أبي ذر الغفاري عندما صدع بإسلامه فانهال عليه المشركون ضرباً وقذفاً بالحجارة وتذكر حال خباب عندما كانوا يوقدون له الجمر فيُجلس عليه وكان يقول لم يطفأ الجمر إلا ودك ظهري[3] وغيرهم كثير، أرجو أن تكون مستحضراً لهذه الصور وأنت تقرأ هذه الأسطر القليلة. * كانت آخر حرب للنبي ﷺ مع قريش هي التي انتهت بفتح مكة المكرمة للإسلام والمسلمين، وهنا يلتقي النبي ﷺ مع من آذوه، وأعنتوا أصحابه، وساموهم سوء العذاب، ومنهم من مات من شدة التعذيب، وقد هموا بقتله ﷺ، ولكنهم كانوا يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. التقى النبي ﷺ بهم، وبكبيرهم أبى سفيان، فنشر ﷺ -وهو الغالب والمسيطر- راية الأمان عليهم، فنادى مناديه ﷺ: «من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن»، فهكذا كان انتصار النبي ﷺ الرفيق الرؤوف الرحيم؛ نشراً للأمان في ربوع مكة المكرمة حول بيت الله الحرام.[4] ولما التقى بالملأ من قريش قال لهم: «ما تظنون أنى فاعل بكم ؟! قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال لهم: أقول ما قاله أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء». أيها المؤرخون: ائتوني بحرب تنتهي بهذه السماحة ! ألا ما أجمل العفو عند المقدرة ! وما أعظم النفوس التي تسمو على الأحقاد وعلى الانتقام ! بل تسمو على أن تقابل السيئة بالسيئة، ولكن تعفو وتصفح، والعفو عمَّن ؟ عن قوم طالما عذبوه وأصحابه، وهموا بقتله مرارا، وأخرجوه وأتباعه من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولم ينفكّوا عن محاربته والكيد له بعد الهجرة ! إن غاية ما يرجى من نفس بشرية كانت مظلومة فانتصرت أن تقتص من غير إسراف في إراقة الدماء، ولكنه النبي ﷺ ! والنبوة من خصائصها كبح النفس ومغالبة الهوى، والعفو والتسامح، أليس من صفاته التي بشّرت بها التوراة أنه ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يقابل السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح ؟! لقد ضرب النبي ﷺ بعفوه عن أهل مكة للدنيا كلها وللأجيال المتعاقبة مثلا في البر والرحمة، والعدل والوفاء وسمو النفس لم ولن تعرفه الدنيا في تاريخها الطويل. ارجع بذاكرتك قليلا إلى ما فعله الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا: قرن الحضارة كما يقولون، كم هلك من الحرث والنسل ملايين البشر, لتعلم علم اليقين فرق ما بين النبوة وغير النبوة، والإسلام وغير الإسلام. لاتعتقد أن الأمر سهل فسنوات طوال من العذاب قتل فيها أقرباؤه وأعز الناس إليه، ومنهم من بقيت آثار التعذيب على جسده إلى أن مات، لا والله إن الأمر ليس بالهين، ولكنها النفس النبوية النفس الزكية الطاهرة ! من يقوى على ما قويت عليه يا رسول الله ! ولكن صدق ربي ﷻ إذ قال ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾، ثم يأتي اليوم من ينتقص من مقامك الشريف وأمام ملايين البشر بحجج واهية أوهى من بيت العنكبوت وأباطيل يا ترى ألم يقرأ هذا المنتقص من مقامك: ﴿إن هو إلا وحي يوحى﴾ ألم يعلم أنك مسدد بوحي من السماء ألم تكن الأرض متصلة بالسماء ثلاث وعشرين سنة ألم يقرأ شهادة أعدائك لك قبل البعثة ألم يعرف أنهم أطلقوا عليك الصادق الأمين… لعلي أكتفى بما سبق من الأحداث والعبر ولو أرخيت العنان للقلم لطال بنا المقام ولكن تعالوا معي لنرى مقارنة يسيرة جداً تُبين لنا حرص هذا النبي الكريم ﷺ حتى على أعدائه. |