أعمال شهر الله المحرم وعاشوراء |
محمد أنور مرسال |
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد ان محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإن الله وهب هذه الأمة نفحات ربانية، وعطايات إلهية تكرمة الله لهذه الأمة، ومن هذه العطايا: الأشهر الحرم، وما فيها من أيام مباركات طيبات. قال تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } [التوبة: 36] والأشهر الحُرم هي: (( المحرم ، رجب ، ذو القعدة ، ذو الحجة )) ومن أعظم هذه الأشهر، شهر الله المحرم؛ فهو مبدأ العام، ومنصرف الناس من حجهم، ويستحب فيه الصيام، وفيه يوم عاشوراء، وهو يوم من أيام الله. وهذا الشهر العظيم يتعلق به الكثير من الأعمال التي ينبغي على المسلم الحرص عليها، ومنها: وقد جمعت جملة منها أولًا (( كيف نستقبل شهر الله المحرم ؟ )): نستقبله بالتوبة إلى الله عز وجل؛ فإنه بداية عام جديد، وعلى عملك شهيد . قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } {التحريم: 8} (( تَوْبَةً نَّصُوحًا )): التوبة الصادقة من الذنوب كلها التي لا يريد بها العبد إلا وجه الله، ولا يريد أن يعود إلا الذنب أبدًا ([1]). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا أيُّها النَّاسُ، توبوا إلى اللهِ واستغفِروه؛ فإنِّي أتوبُ إلى اللهِ وأستغفِرُه في كلِّ يومٍ مِائةَ مَرَّةٍ )) ([2]). عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: |
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنَّ اللَّهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ؛ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ؛ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا )) ([3]).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لوْ أخطأتُمْ حتى تبلغَ خطاياكُمُ السماءَ ثمَّ تُبتُمْ، لتابَ اللهُ عليكُمْ )) ([4]).
قال الإمام مجاهد ::
(( من لم يتب إذا أصبح وإذا أمسى، فهو من الظالمين )) ([5]).
قال الله أ: { وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } {الحجرات:11}
(( تنبيه )):
لكن اعلم أخي المسلم أن التوبة لها شروط، فإن كان الذنب في حق الله عز وجل، فشروط التوبة ما يلي:
أ ـ الندم على فِعل الذنب ([6]).
ب ــ الإقلاع عن الذنب ( تركه ).
ج ــ العزم على عدم العودة.
د ــ أن تكون التوبة في وقت تُقْبل فيه التوبة ([7]).
ثانيًا (( وقفة لمحاسبة النفس )):
أخي المسلم، إنه عام قد انقضى، وكل يوم يمر بك فإنه يبعدك عن الدنيا، ويقربك من الآخرة .
فيا أيها الغافل!!
يعضك الدهر عضًا، وتقرض عمرك الأيام قرضًا، فأين أنت ؟!
أيها الغافل !!
نحن الآن على تمام العام، بما كان فيه من عمل صالح وآثام، فقد جفت الصحف ورُفعت الأقلام، فأين أنت ؟!
أيها الغافل !!
ذَكِّـر نفسك بما فيها؛ فأنت أعلم بمحاسنها ومساويها.
فَقِف، وحاسب نفسك:
هل أنت راضٍ عن عملك هذا العام ؟!
وهل ترضى أن تَلقى الله بهذا العمل ؟!
يُروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال:
)) حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسَكم قبل أن تُوزنوا؛ فإنَّه أخفُّ عليكم في الحسابِ غدًا أن تُحاسِبوا أنفسَكم اليومَ، وتزيَّنوا للعَرضِ الأكبرِ، { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } )) ([8]).
واعلم أن محاسبة النفس تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ ــ محاسبة قبل العمل.
ب ــ محاسبة أثناء العمل.
ج ـ محاسبة بعد العمل.
ثالثًا (( الإكثار من الصيام )):
اعلم أخي الحبيب (رحمنا الله وإياك) أن الصيام في شهر الله المحرم أفضل الصيام بعد صيام رمضان (وهذا قول جمهور العلماء).
عن أبي هريرة ا أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ:
أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: (( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ )) ([9]).
قال العلماء:
هذا الحديث صريح في أن أفضل ما يتطوع به المسلم من صيام بعد رمضان شهر الله المحرم ([10]).
فاحرص أخي الحبيب على الصيام في هذا الشهر المبارك.
فطوبى لمن جوع نفسه ليوم الشبع الأكبر !
وطوبى لمن أظمأ نفسه ليوم الرِّي الأكبر !
طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره !
طوبى لمن ترك طعامًا ينفذ، في دار تنفذ؛ لدار { أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا } !!
رابعًا (( الحذر من الوقوع في المعاصي والذنوب )):
قال الله عز وجل: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } {التوبة: 36}
فقال عز وجل في حق الأشهر الحرم: { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ }، وهذا وجه من وجوه التفسير أن الهاء والنون في قوله (( فِيهِنَّ )) عائدة على الأشهر الحرم الأربع؛ لأنها أقرب مذكور ([11]).
قال قتادة ::
الظلم في الأشهر الحرم أعظم وِزرًا من الظلم فيما سواها ([12]).
سؤال: الظلم محرم في جميع الشهور، فلماذا خص الأشهر الحرم ؟
(( الجواب )):
خص الله عز وجل الأربعة الأشهر الحرم بالذِّكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، ولعظم فضلها، وتأكيدًا على عِظَم الذنب فيها ([13]).
قلت: ولهذا نظائر، ومنها: قوله تعالى: { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } {البقرة: 197}، والفسوق محرم في الحج وغيره، ولكنه نهْيٌ فيه خاصة؛ لشرفه وفضله، والتأكيد على عِظَم الذنب فيه.
خامسًا (( صيام عاشوراء )):
وهو اليوم العاشر من شهر المحرم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من صام عاشوراءَ غُفِرَ له سنةٌ )) ([14]) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( .... وصِيامُ يومِ عاشُوراءَ: إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ )) ([15]).
فاحرص أخي الحبيب على صيام هذا اليوم؛ فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم عاشوراء كما قال ابن عباس ب: (( ما رَأَيْتُ النبيَّ ه يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ علَى غيرِهِ إلَّا هذا اليَومَ - يَومَ عَاشُورَاءَ - وهذا الشَّهْرَ - يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَان - )) ([16]).
سادسًا: (( صيام يوم التاسع مع العاشر )):
لقد عزم النبي صلى الله عليه وسلم على صوم التاسع مع العاشر كما في الحديث عن ابن عباس ب قال:
صَامَ رَسولُ اللهِ ه يَومَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا التَّاسِعَ ))
قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ([17]) .
وجه الاستدلال:
أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى وعزم على صوم التاسع ([18]).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما:
(( صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود )) ([19]).
سابعًا: (( إفطار الصائمين ولا سيما في يوم عاشوراء )):
أخي الحبيب، هناك فرصة عظيمة لا ينبغي أن تفوتك، وهي:
(( إفطار الصائمين في عاشوراء )).
سـؤال: يـوم عـاشـــوراء يـأتــى فــى الـسـنـــة كــم مـــرة ؟
الجواب: يــأتــى مــرة واحـــدة فـى الــعــام فـــى شــهــر الــمــحـــرم .
أخي الحبيب، فرصة عظيمة لا تفُتْك، وهي:
تستطيع بفضل الله أن تجعل عاشوراء هذا العام عشرة أيام أو عشرين أوثلاثين !!
سؤال: كـيـف ذلـك ويـوم عـاشـوراء يـأتـى فـى الـسـنـة مـرة واحـدة فـقــط ؟!
الجواب: عـن طـريـق إفـطــار الـصــائـمـيـن .
فـأنــت تـصـوم عـاشــوراء، ولـو فـطَّـرتَ عـشـريـن صـائـمـًا يُـكـتـب لـك أجر العشرين؛ فيكون عاشوراء بالنسبة لك هذا العام [21] يومًا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ غيرَ أنَّهُ لا ينقصُ من أجرِ الصَّائمِ شيءٌ )) ([20]).
فاحرص أخي المسلم علي إفطار الصائمين في عاشوراء، ولا ترضَ أن يكون ثوابك يومًا واحدًا، بل كُن عالي الهمة، واطلب المزيد، وأكثِر من إفطار الصائمين.
(( تنبيه )):
ابــدأ بــإفـــطــار أقـــربــائــك... لــتــفــوز بــأجــريـــن :
أ ــ أجـــر إفـطــار الــصــائــمــيـن.
ب ــ وأجــر صــلــة الــرحـــم.
(( تنبيه )):
قد يكون والدك أو والدتك فى القبر وفى أمسِّ الحاجة لأجر يوم كعاشوراء، وأنت بفضل الله تستطيع أن توصل لهم هذا الأجر بإفطار صائمين عنهم، فلا تنسَ ذلك.
وهذا ينطبق على كل صديق أو عزيز أو قريب قد مات، ممكن أن توصل له هذا الخير - على الراجح من أقوال أهل العلم - عسى الله أن يقيد لنا من يَذْكُرنا بذلك بعد الموت، ومَن وفَّى وفَّى الله له.
(( سؤال )):
لو كنت لا أملك مالًا لإفطار الصائمين، ماذا أفعل؟
(( الجواب )):
لو كنتَ لا تملك مالًا فعليك بأمرين :
(( الأول )):
عليك بالنية، فانتوِ بنية صادقة أن لو كان معك مال لأطعمت كل الصائمين من المسلمين؛ فتُؤجر إن شاء الله على نيتك الصادقة.
(( الثاني )):
اجتهد فى تذكير الناس بهذا الفضل؛ فــ (الدال على الخير كفاعله).
ثامنًا: (( دعوة الناس وتذكيرهم بصيام هذا اليوم )):
أخي الحبيب، لماذا لا تكون داعيًا إلى الله، وتذكِّر الناس بصيام هذا اليوم ؟
ابدأ بتذكير نفسك، ثم أسرتك، ثم سكان عمارتك، عن طريق تعليق حديث في مدخل العمارة مثلًا يُذَكِّر بصيام يوم عاشوراء، وكذلك في عملك ومسجدك، أو بتوزيع مطويات أو رسائل؛ فإن فعلت ذلك نالتك إن شاء الله دعوة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال:
(( رحمَ اللهُ امرءًا سمع منا شيئًا فبلَّغه كما سمعه )) ([21]).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الدال على الخيرِ كفاعله )) ([22]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسَنةً كان له أجرُها، وأجرُ مَن عمِل بها من بَعدِهِ، لا يَنقُصُ من أُجورِهم شيءٌ ......)) ([23]).
وبالله التوفيق ...
محمد أنور مرسال