تتحول أنظار العالم في الثاني من كانون الأول/ديسمبر إلى زيوريخ مقر الإتحاد الدولي لكرة القدم، المحطة النهائية لملف قطر 2022 الذي يقوده سعادة الشيخ محمد بن حمد بن خليفة آل ثاني، حيث سيتم التصويت لمعرفة البلدين الفائزين بشرف استضافة كأس العالم عامي 2018 و2022.
ويكتسي الحدث بالنسبة لملف قطر أهمية تتخطى حدود كرة القدم التي نعرفها ونتابعها ونشاهدها ليشكل منعطفاً تاريخياً بالنسبة لشعوب المنطقة بأكملها، خصوصاً أنّ لا فخر واعتزاز يوازي أهمية كسب ثقة المجتمع الدولي واحتضان العالم من القطب للقطب، لتنظيم أضخم وأهم تظاهرة رياضية عرفتها البشرية، عنيت بها كأس العالم لكرة القدم.
وإذا كانت ملفات بلجيكا-هولندا وإنكلترا والبرتغال-إسبانيا وروسيا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية، الدول المرشحة لاستضافة العرس الكروي العالمي، تمتلك نقاط قوة تعمل على إبرازها بأبهى الحلل في الوقت الذي تسعى فيه إلى تجميل وإظهار نقاط الضعف بشكل لبق بحيث لا تؤثر على حظوظها التنافسية بشكل جوهري، فإن الملف القطري لا يخضع لهذا المفهوم من التقييم كونه استطاع ملامسة وجدان العالم بشجاعته وجرأته.
فقطر هذا البلد الصغير من حيث المساحة والكبير بروحه وعنفوانه استطاع مقارعة دول عريقة لها باع طويل في تنظيم بطولات بحجم كأس العالم والألعاب الأولمبية، وتمكن من فرض نفسه بقوة على الساحة الدولية بشكل عام والرياضية خصوصاً، وهو اليوم يرفع راية العرب عالياً لا بل يشكل رأس حربة لجميع دول منطقة الشرق الأوسط التي تقف خلف ملفه صفاً واحداً.
وتأمل قطر التي قدمّت رسمياً ملفها لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022 إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الجمعة 14-5-2010، أن تحتضن نهائيات المونديال للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، علماً أنها تواجه منافسة مباشرة وشرسة من الولايات المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية واليابان.
وبعيداً عن النواحي التقنية والفنية للملف القطري وسائر الملفات الأخرى، فإن ما قام به القيمين على الملف العربي من الناحية التسويقية والإعلامية يعتبر إنجازاً فريداً من نوعه خصوصاً إبان زيارة الوفد التفتيشي التابع للفيفا خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي. ولعل أبرز الخطوات التي أقدم عليها أعضاء الملف تمثلت بإعلان المدير التنفيذي حسن عبدالله الذوادي، أن صانع أمجاد كرة القدم الفرنسية الأسطورة زين الدين زيدان قد عُين سفيراً للملف.
وأطلق زيدان كلمات مُعبرة وذات قيمة فكرية واجتماعية فور الإعلان عن انضمامه لقائمة سفراء الملف القطري بقوله: "لا يوجد شيء مستحيل، علينا أن نسعى نحو الكمال عندها يكون المستحيل ممكناً، لا حدود لأحلامنا لكن علينا وبكل بساطة أن نؤمن بها لنحولها فيما بعد إلى حقيقة ملموسة. عندما نعمل بكد وجد ونحترم الكبيرة والصغيرة يمكننا تحقيق النجاح والذهاب إلى أبعد حدود الحياة".
وأضاف مهندس فوز فرنسا بكأس العالم عام 1998: "كرة القدم تملك السحر والقوة لجمع الشعوب من مختلف أصقاع العالم وهذا ما رأيناه الصيف الماضي في جنوب أفريقيا، عندما وقف البيض والسود متحدين خلف منتخبهم الوطني. عندما أفكر بشباب منطقة الشرق الأوسط وبأهمية كأس العالم بالنسبة لهم أشعر بأن الوقت قد حان لاستضافتهم المونديال، فكرة القدم ملك للجميع".
وبالفعل فإن قطر تقف اليوم أمام العالم بشيبها وشبابها برجالها ونسائها شامخة الرأس لترسم بشجاعة تاريخ مضيء وإرثاً حضارياً ستحمله الأجيال القادمة مشعلاً على دروب المستقبل. وبغض النظر عن النتيجة النهائية للتصويت التي نتمنى أن تصب في مصلحة "سفيرة العرب" فإن مجرد مشاهدة أفراد البعثة القطرية في زيوريخ يُعد انتصاراً مدوياً ومفخرة للعرب، خصوصاً بعد أن فشلت محاولات سابقة من قبل مصر والمغرب.
وسيعيد فوز قطر بشرف استضافة كأس العالم لكرة القدم الوطن العربي إلى واجهة المنافسة المشروعة، ويعزز مكانة وسمعة الرياضة في المنطقة العربية التي تعج بالمواهب الرياضية وتتميز بعشق شعبها وشغفه لعالم المستديرة، كما أن الفوز سيقدم الكثير لقطر على الصعيد السياسي والرياضي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فضلاً عن كونه مناسبة لتحقيق التقارب بين القارات وفرصة لانصهار مختلف ثقافات العالم.
وعندما يسدل الستار وتنجلي هوية منظمي كأس العالم 2018 و2022، ويتحول حلم 2010 إلى حقيقة 2022 بالنسبة للملف القطري، عندها ستدخل البلاد في تحدٍّ جديد يبدأ يوم الخميس وينتهي بعد اثني عشر عاماً إلا نيّف مع المباراة النهائية لأكبر تظاهرة رياضية في العالم، وفي حال لم يبتسم القدر لقطر فإنها وبالتأكيد ستأوي لاستراحة قسرية قبل أن تعود لتقرع طبول منافسات أخرى، فقطر في قلوب أبنائها ومحبيها سيرة عزة وأمجاد تأبى أن ينال منها أحد.