هيمانة البريمي- عضو التميز والنشاط
من طرف هيمانة البريمي الجمعة 15 يوليو - 19:32
الإدمان مرض أم مشكلة اجتماعية؟
هذا هو السؤال المثير للجدل: هل المدمن مريض يحتاج للشفقة والعلاج، أم إنسان سيء، لا أخلاق له وذو ميول إجرامية؟. الكثيرون يعتقدون أن هؤلاء المدمنين بإمكانهم التوقف عن التعاطي إن شاءوا ولكنهم لا يريدون ذلك. المشكلة من الناحية الدينية ينظر إليها كارتكاب ذنب ومعصية كبيرة ومخالفة للتعاليم الدينية. والسلطات القانونية تعتبره كخرق للقانون يستحق معه العقاب. والاجتماعيون يعتبرونه خرقا لقوانين المجتمع. وعلماء النفس يعتبرونه سلوكاً غير سوي. أما عامة الناس فتعتقد أنهم فئة سيئة يجب نبذها والابتعاد عنها. هذا الشعور شبه العدائي تجاه المدمن طبع الوصمة على هذه الفئة وخلق رد فعل أكثر عدوانية من جانب المدمن تجاه المجتمع الذي يعيش فيه.
الإدمان هو المرحلة الثالثة والأخيرة من مشكلة ابتدأت بالاستعمال في سبيل التجربة أو حب الاستطلاع ومروراً بإساءة الاستعمال. المرحلتان الأوليتان كانتا بقرار واعي وإدراك كامل بما قد يترتب عن ذلك من ناحية المدمن فلذلك هو يتحمل المسؤولية كاملة خاصة إذا ما علمنا أنه كان بإمكانه التخلص من هذه المشكلة بسهولة في تلك المراحل الأولى. أما بعد ولوجه المرحلة الأخيرة، فالأمر أصبح خارج سيطرته. وليس صحيحاً أن المدمن لا يريد التوقف عن التعاطي كما يعتقد الغالبية، لأنه من أحد تعار يف الإدمان رغبة المدمن المستمرة ومحاولاته العديدة والفاشلة علي التوقف، أو على الأقل تقليل الجرعة، ولكن الأمر أصبح خارج سيطرته تماما.
أذكر منذ فترة ليست بالبعيدة أن كنت أتحدث في لحظة صفاء مع صديق مدمن على الكحول. كان سؤالي تقليدياً ومكرراً بالنسبة له: "لماذا لا تتوقف بعد أن حدث لك كل ما حدث بسبب الكحول؟" أجابني وعينيه ترقرق بالدموع! "هل تعتقد أنني لم أحاول؟ لقد حاولت وحاولت وفشلت. هذه لعنة أصابتني، أتعذب بها ما حييت وأعذب معي من حولي حتى آخر يوم في حياتي. هذا قدري، وأنا أؤمن بالقدر! فقط لو يفهمني أحد. كل ما أتمناه هو أن لا أقابل ربي مخمورا". وقد حدث هذا بالفعل له. رحمه الله.
أوضحت الأبحاث العلمية بما لا يدع مجالاً للشك أن الإدمان هو بالتأكيد" مرض انتكاسي مزمن". فقد أكدت هذه الأبحاث أن استعمال هذه العقاقير لفترات طويلة يحدث تغييرات طويلة المدى في وظائف خلايا المخ تظل لمدة طويلة حتى بعد إقلاع المدمن عن التعاطي. وقد وضح كذلك أن هذه العقاقير تؤدي إلى إفراز كميات كبيرة من الناقل العصبي" دوبامين" في الجهاز اللمبي ينتج عنه شعور قوي باللذة أو النشوة. هذا الشعور باللذة يكون في مثابة مكافأة لسلوك التعاطي للعقار و يكون مدعما ودافعاً قوياً للاستمرار في التعاطي للحصول على مزيد من اللذة. وكرد فعل لكمية الدوبامين الكبيرة في الجهاز اللمبي تنخفض عدد المستقبلات له في الخلايا العصبية أو قد تختفي بعض الخلايا المنتجة للناقل فيقل الشعور باللذة مما يضطر المتعاطي لزيادة جرعة العقار للحصول على المستوي السابق من الاستمتاع . وهكذا تبرز ظاهرة الرغبة القهرية للاستمرار في التعاطي" “Compulsive intake مع زيادة الجرعة، أي حدوث التحمل “tolerance”. زد على ذلك الاضطرار للتعاطي رهبة من الأعراض الإنسحابية التي تحدث عند التوقف. وهكذا يستمر المدمن في التعاطي بالرغم من المضاعفات والتدمير الذي يحدث في حياته وصحته. والخلاصة أن التغيير الذي يحدث في مخ المدمن هو السبب المباشر في اندفاع المدمن للحصول على العقار واستعماله بصورة قسرية.
وشيء آخر مهم للغاية ما يحدث في نظام معتقدات المدمن نتيجة الفشل المتكرر في محاولاته للتوقف عن التعاطي. فكل مرة يفشل ويعود للتعاطي بعد فترة توقف ما، يعطي نفسه إيحاءات ذاتية قوية وهو في حالة شديدة من اليأس والحزن بأنه فاشل وسوف لن ينجح في التوقف مهما بذل من مجهود وأبدى من تصميم. وبتكرار هذه الإيحاءات والأفكار السلبية المشحونة بالعواطف مع الإيحاءات من الآخرين من كل جانب لهم بأنهم أناس فاشلون لا خير يرجى منهم وأنهم مسلوبو الإرادة، يتكون لديهم اعتقاد وقناعة راسخة باستحالة التوقف مهما بذلوا من طاقة وبأنهم فعلاً فاشلون. ولذلك نرى الكثيرين من هؤلاء المدمنين وقد استسلموا لقدرهم وتركوا المحاولة أو لا يبدون الحماس الكافي لمحاولاتهم، معطين الانطباع لمن يحاول مساعدتهم بعدم الجدية واللامبالاة وضعف الإرادة.
هنالك فئة مضطربة الشخصية والذين يوصفون بالشخصية المضادة للمجتمع. هذه الفئة تتصف بالعنف والعدوانية والسادية والميل إلى الإجرام كارهة ومعادية لمجتمعها، مدمرة لنفسها ولغيرها. هذه الفئة تحاول الانتقام لنفسها بسلوكها العدواني ومحاولة زج أكبر عدد من الأبرياء في التعاطي، والوقوف في طريق أي متعاطي يحاول التوقف. هذه الفئة هي التي ساهمت كثيرا في خلق الانطباع السلبي عن المدمن ونفرت منهم الكثيرين.
أجد نفسي ميالا للقول بأن الإدمان سلوك مرضى وبالتالي يعتبر المدمن مريضاً يستحق العلاج والمساعدة، نجحنا في ذلك أم فشلنا بالرغم من أنه المتسبب في مرضه في المقام الأول. والملاحظ أن المدمن لا يدمغ بسبب تعاطيه، بل بسبب ما يترتب على تعاطيه من مضاعفات صحية واجتماعية واقتصادية وأسرية وقانونية. ونجد في المجتمع الكثيرين الذين يتناولون ما يسمى بالمواد الضارة بالعقل باعتدال وبدون مشاكل دون أن يثيروا انتباه أو اشمئزاز الآخرين.
هذا في الحقيقة ليس بالدفاع عن مدمني العقاقير الضارة بالعقل في أي شكل كانت، ولكن كل ما أريد قوله هو أن هذه الفئة من البشر تستحق العناية والعلاج بالرغم من أن النتائج غير مشجعة والتعامل معهم مثير للإحباط وذلك لانتكاس المدمن المتكرر مع كل محاولة للعلاج بما يعطى الشعور للمعالج بعدم المبالاة وعدم الجدية.
موقع قف وناظر |أفلام اون لاين منوعة|برنامج استضافة مفيدة|تحميل برامج|تحميل العاب|تحميل افلام أجنبية جديده|كل ماتتخيله ومالاتتخيله لدنيا الموقع العالمي قف وناظر www.abade.roo7.biz|اخبار نجوم الفن والمشاهير | بيع وشراء