هنالك فئة من المرضى النفسيين الذين يترددون على العيادات النفسية بانتظام وهم يشكون من أعراض واضطرابات نفسية متعددة, وبالرغم من تعاطيهم العلاج بانتظام إلا أن استجابتهم دائما ضعيفة وتراهم في حالة تذمر من أطبائهم لعدم تخليصهم من معاناتهم النفسية بالرغم من تعاونهم مع العلاج ولفترة طويلة.
غالبية المرضى من هذه الشريحة إذا ما دقق في تاريخهم المرضي وتحديداً في فترة طفولتهم وصباهم نجدهم قد عانوا كثيرا من أحداث وتجارب قاسية من أذى نفسي وجسدي جسيم، أو حرمان عاطفي، أو إهمال كانت نتيجته كل تلك الأعراض والاضطرابات النفسية التي يعانون منها. تلك الحوادث تنطبع بصفة مستديمة في ذاكرة الطفل وتبرمج بصورة سلبية نظم معتقداته وبالتالي تنعكس على أفكاره وعواطفه وسلوكياته, مما يترتب عليه في وقت لاحق اضطرابات نفسية وسلوكية, واضطرابات في الشخصية، وأفكار سلبية عن ذاته تكون نتيجتها فقدانه الثقة بنفسه وتدني في اعتبار ذاته.
الأذى الجسيم قد يكون في شكل اعتداء أو تحرش: لفظيا أو بدنيا أو جنسيا.
فالاعتداء اللفظي قد يكون بالشتم, أو السخرية, أو الاستهزاء, والتعنيف والإرعاب, أو الإذلال, أو الانتقاد اللاذع المتواصل لأي فعل أو قول يصدر منه يعتبره المعنى برعايته غير مقبول لديه..
أما البدني فقد يكون بالضرب المبرح, واللطم, والصفع, أو الحرق بأعقاب السجائر أو غيرها.
والجنسي قد يكون اعتداءاً كاملاً, أو بالتلاعب بأجزاء جسمه الحساسة وبطريقة مؤلمة أو مرعبة للطفل.
أما الإهمال فيعني إهمال احتياجات الطفل الأساسية وهى الغذائية، والعاطفية، والتعليمية، والصحية. أو تركه بدون حماية من الأخطار. ويشمل الإهمال كذلك الحرمان العاطفي الذي قد يكون بعدم أظهار الحب له, وعدم مدحه والثناء عليه وتشجيعه عندما يتصرف بطريقة مقبولة, وعدم التحدث إليه وتجاهله, أو عدم مشاركته ألعابه واهتماماته... وبمعنى آخر أي معاملة تشعر الطفل على أنه غير مرغوب فيه, أو لا قيمة له, أو غير محبوب أو غير آمن.
ومما لا شك فيه أن طلاق الوالدين أو انفصالهما عن بعض من أكثر الأحداث المؤلمة والمأساوية التي لها نتائج سلبية كبيرة على المدى البعيد على الطفل.
كما أن الحياة في جو أسرى مفكك, والشجار والعنف الأسري يؤدي إلى نفس النتيجة لأن ذلك من شأنه إشعار الطفل بعدم الأمان والخوف المستمر.
ولكي يكون تأثير الحدث أو المعاملة مؤذياً على المدى البعيد لا بد وأن يكون متكرراً وباستمرار: إذ إن الحدث المؤلم المنعزل قد لا ينتج عنه شيء من هذا القبيل على المدى البعيد لاحتمال محوه من ذاكرة الطفل عندما يكبر..
الجدير بالذكر هنا أن ليس كل طفل يمر بنفس الظروف القاسية معرض لهذه النتائج المذكورة أعلاه، وقد شاهدت توأمين قد مرا سوياً بنفس الظروف القاسية خلال طفولتهم، إلا أن احدهم كان سوياً في شخصيته ولا يعاني من أي أعراض نفسية أو مرضية مثل توأمه.