بقلم الكاتب دياب الهيموني
(( الـحب ))
كلامي ليس موجه لاحد بعينه، ولكن هو تصحيح لفهم خاطيء، أو رفع درجة الوعي لدى الكاتب والقاريء معا، وهي في النتيجة محاولة لحراك في مشاعر الناس، ربما يخرج كل واحد بقطعة ويظنها هي الافضل.
الحب، هذه الكلمة السحرية، والكلمة الخطيرة، نرددها صغارا، ثم نخبئها في الادراج وبين الكتب، ونحملها كل الدنيا، وكل الهموم، ونصرخ ونتأوه، آه يا حب، والكل يعيد احياء ام كلثوم، يا ظالمني، وفات الميعاد، وعبد الوها وعبد الحليم ...الخ السيمفونية العربية.
وهنا لا اقلل من قيمة التراث الغنائي العربي، بل على العكس، انا اشير اليه كتراث ادبي ايضا ما دامت الكلمة الغنائية هي نتاج ادبي.
على أي حال كلمة الحب، وعلاقة الحب، ومشاعر الحب، جدلية اذهلت واذهبت العقول، ولا زال يسرق البابنا حديث الحب والهيام والشوق والعشق وكل المرادفات.
لنرى في لحظة انك موضع اتهام بأنك تكتب في الحب وقد خط الشيب رأسك، او تسمع ان الحب للنساء، او ان الحب حرام .... وغير ذلك من الوصف، وكما قلنا ضاعت الطاسة.
الحب كلمة الله على الارض، هل ندعي، ان لغة خطاب القرآن للبشر هي عن الحب، وحتى نفهم هذه الكلمة يجب ان نعيد تنقية المفهوم السائد بين الناس عن الحب.
الحب بات وكأنه كلمة مرادفه للجنس، وهذا اسفاف خطير وقاتل، لان الجنس حاجة جسدية، وجميع الكائنات الحية متشابهة في هذه الحاجة (نبات، حيوان، انسان)، والاحتياج الجنسي لا يتعلق بالحب او عدمه، ولا علاقة له بتاتا هنا في هذا الموضع، وعليه فإن الجنس يتم بمعزل عن كلمة حب مع الوعي وبدونه وقبلنا وبعدنا.
اذاً الحب بريء من تهمة الجنس براءة الذئب من دم يوسف، اما اولئك الذين يصرون على ان يكون الحب مرادفا للجنس فأقول هو حب الاغنام والابقار اذن، فعندما يعني لك الحب جنس، فانت ترغب ان تكون غنمة لان نظرة الاغنمام لبعضها هي نظرة جنسية فلا يمتنع الجدي عن اعتبار امه اداة جنسية له. فمعاذ الله ان يكون الانسان في هذا المستوى، ولكن من يصر على ذلك فلا نملك له شيئا.
الحب هو مظهر متعلق بالمشاعر، وهي مرتبطة بكل ما هو جميل ورائع، ولا يجوز ان نقول عن الحب إلا ما هو جميل، اما اذا رسخ في اعتبارنا ان الحب ذل وهم وووو، فهو استخلاص ناتج عن خطأ في التوصيف، فلربما لا زال الرابط بين الحب والجنس قائما، ولتوضيح الفكرة اكثر اقول
كيف نفهم حبنا لله، للرسول، للدين، للوطن، للام، للاب، للاخ، للاخت، للابن، للصديق، ...الخ أين الجنس في كل ذلك، وهل الحب مجرد كلمة نتداولها، ام مشاعر مرتبطة بالأخر الذي نحبة، وهنا يجب ان نتعلم كيف نحب وإلا نقع في دائرة المنفعية.
حبنا للانثى الشريكة، كما ايضا للذكر الشريك يحتاج الى تدريب، هنا لا نتعامل مع اشياء عابرة، هنا الحب يربط الجسد بالروح بالمشاعر بالفكر بكل شيء، وأنى لنا التجربة. انظروا كيف عائشة تتغزل برسول الله حين تتحدث عن وفاته فتقول كيف مات على حجرها، وكيف ساكت لها السواك فكان آخر ما دخل جوف الرسول صلى الله علي وسلم هو لعابها، او قصة الحب في سورة يوسف، او في قصة بلقيس، او البنات مع سيدنا موسى ..الخ.
ولقد قلت شعرا في ذلك في قصائدي (بتول، سنبلة، بئر، سبأ، وعلى صدرك اسند راسي، وغيرها).
وحتى لا اطيل فقط اختصر لاقول
الحياة عبارة عن مجموعة من التجارب، والحياة كلها عبارة عن تجربة واحدة كبيرة، وامر آخر كل شيء في الدنيا له عمر (اول وآخر) فحتى تجربة الحب يجب ان ندرك اننا لا نستطيع معرفة العمر الزمني لها، قد تكون طول العمر، وقد تكون لايام، ماذا يعني ذلك.
ان مشاعرنا المحلقة والباحثة عن الروح التي نعانقها بقية العمر، يؤدي بنا ان نلتقي مع ارواح كثيرة، وقد نخوض تجربة مشتركة معا، ولكن هناك الكثير الذي لم نفهمه بعد يمنع ان نستمر، بمعنى ان هذه التجربة ليس لها ان تستمر، يجب ان ندرك ان مشاعر الحب التي حلقت بنا، هي تجربة ناضجة لنا، ربما نجتهد بالبحث فنجد الروح التي نواصل معها المشوار الاهم.
في الخلاصة لا يجوز ان يصاحب الحب أي شوائب، بل على العكس كل ما هو جميل يصاحب الحب، وكل ما هو قبيح، ليس للحب فيه ناقة ولا جمل، وحتى الحبيب اذا أساء، هو لا زال يتعلم، ربما يجب ان ندرك مسألة أساسية واحدة
انت تحب يعني ان الاخر بالنسبة اليك مصدر سعادتك، حضورة وغيابه، واخطاءة وهفواته، يجب ان تحب الآخر بكله وكليله، والأخر لك نفس الشيء، هو تبادل الغزل والحنان والعطاء والاحساس المشترك، هذا هو مختصر الحب الذي نبحث عنه، فاذا لم يبادلنا احد ذلك، فهذا لا يعني تهمة للحب، بل لا زلنا نبحث عن الشريك الخاص، اما الحب العام، فهو موجود، واكبر دليل على ذلك ان حبنا في دنيا الوطن مثلا كأصدقاء تجاوز كل وصف، لدرجة ان كثيرون منا لا نعرف الا اسماء وكلاما، ولكننا بتنا نحس ببعض ونحترم بعض،
كلمة اخيرة، ستكون هذه المقالة بالتأكيد حراكا للافكار والمشاعر والاحاسيس، ولكن ما يجب ان نخرج به من هذه المقالة ان الحب هو الصورة المشرقة لما هو جميل في هذه الحياة، نحن الذين نسيء الى هذا الاحساس العظيم، قهرنا وقسوتنا، وانانيتنا قد تجعل الحب سلعة لنا، هيهات، هي تحليق الروح، لا الجسد.