الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد
ما زالت هذه المدرسة تكتب علىّ بعض منحها ، وتهبني بعض عطاياها ، وتدفعني للحديث عن بعض ما وجدت في فصولها أثناء دراستي فيها وبقائي في رحلة أيامها مما تعلمت في هذه المدرسة : تعظيم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو درس تلقيته من فصول هذه المدرسة في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ما يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " وهو درس مبثوث في كتاب الله تعالى ، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وحقيق بالعناية والإمعان .
إن الله تعالى أوقف حبه على متابعة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم " فقال تعالى " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله " فجعل محبته وقفاً على متابعة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإحياء سنته ، وأثراً من آثارها ، ويكفيك هذا دليلاً على أهمية هذه السنة في حياة كل إنسان .
إن رمضان جاء يعيد هذه المسالة في حياة الناس من جديد ، ويدعوهم إلى تعظيم سنة النبي صلى الله عليه وسلم " ما يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " إن التأخر في الإفطار كان يمكن أن يكون منقبة لزيادة دقائق من الجوع في حياة إنسان وتحمله من أجل الله تعالى لكنه لم كان مخالفاً للسنة كان المتأخر متنطعاً في دين الله تعالى ، ولإجلال السنة وتعظيمها في النفوس ما تزال الخيرية تحتف بهم وتمشي في طريقهم وتسير معهم ما كانوا معها وفي ركابها .. وتهيّج هذه المدرسة في نفوس أصحابها إحياء سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وإفشاءها في نفوسهم لحظة الإفطار ، فتقول لهم " كان صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء "وتجعل متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ومغالبة طبع الإنسان في هذه اللحظات دعوة لإحياء هذه السنة وتعظيها في النفوس ، وما تزال بي الفرحة وأنا أرى في لحظات الإفطار تتابع الناس على الرطب وتتبعهم له لا لشهوة نفوسهم .. كلا ! وإنما إحياءً لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .
إن مدرسة رمضان تعلمنا هذه اللحظات أن لا نمد أيدينا إلا على الرطب والتمر من بين كل أصناف المأكولات التي تعرض علينا لحظة الإفطار مهما كانت صورتها شهية رائعة ، تعلمنا بذلك أن يكون هذا الخلق هو خلقنا ليس لحظة الإفطار من رمضان فحسب ! وإنما في كل لحظة من حياتنا بعد رمضان .
إننا في رمضان نعجل الإفطار رغبة في تحقيق سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ، ونهرع لحظة الإفطار نبحث عن الرطب فإن لم نجده بحثنا عن التمر ، فإن لم نجد حسونا حسوات من ماء مع توافر كل ما نريد بين أعيننا وفي متناول أيدينا تاركين بذلك شهواتنا ورغباتنا من أجل سنة نبينا صلى الله عليه وسلم . يالها من لحظات تبعثها هذه المدرسة في نفوسنا كل لحظة تعلمنا بها بعض حياتنا التي نكبر بها مع الأيام !
إن آثار إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم على الإنسان أكبر مما نتصوّر ، وأعظم مما نتخيّل ، ولو لم يكن فيها إلا إجلال أمر الله تعالى وتعظيم أمره لكان كافياً ، فكيف إذا كانت الأرباح حياة أناس في الأرض ؟ يحدثني أحد الثقات أن رجلاً كان في فناء جامعة الملك عبد العزيز بجده وبينما هو يسير إذ هو ببرادة ماء في الطريق فما كان منه إلا أن ملأ كوبه ثم جلس يشرب متتبعاً لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإذا بأحد الأطباء يمسك به ويسأله لماذا جلست أثناء شربك ؟ قال هكذا علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ، فما كان من السائل إلا أن قال " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، إذ كان هذا الرجل طبيباً لم يسلم بعد ، ولديه أبحاث عن فوائد الشرب جالساً استغرق فيها سنوات من عمره وعثر على هذه النتيجة بعد إن استغرقت من حياته عمراً طويلاً من البحث والتجريب فلما رآها في سنة هذا النبي الكريم في أقل من سطر أعلن إسلامه ودخل في دين الله تعالى .
وإنني ما رأيت معظماً لشأن السنة محتفياً بها ، مجلاً لصاحبها إلا ورأيت حبه يتسلل قلوب الخلق ، وهذا هو إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد رحمه الله تعالى وهذا الذكر الكبير في الأرض اليوم تقدمه لنا حياته صلى الله عليه وسلم كلها ومن ذلك تعظيمه لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وفي الخبر أنه احتجم وأعطى الحجام أجراً ، وقال في إثر ذلك " إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجراً ، وهذا ابن باز العلم الكبير الذي وجد كل إنسان مؤمن حبه يتخلل قلبه كان يجل السنة ويعنى بها ومن ذلك أنه قدم مرة من سفر وكانت من عادته أن لا يدخل بيته حتى يصلي ركعتين في المسجد اقتداءً بنبيه صلى الله عليه وسلم فقدم مرة من المرات ووجد المسجد مقفلاً والمؤذن غير موجود وفي البيت جمع من المنتظرين لقدومه رحمه الله تعالى من بينهم أمراء ومسؤولين لكنه آثر ألا يدخل بيته إلا بعد أن يصلي فانتظر طويلاً حتى جاء مفتاح المسجد وفتحوه وصلى كما كان يصلي نبيه صلى الله عليه وسلم ثم دخل بيته ، ومثل هذا التعظيم حقيق برفع صاحبه وإجلاله في الأرض ، والله المستعان .
إن تلمّس السنة في رمضان أكثر مما ذكرت وحسبي الإشارة فقط ، ويمكن لكل عاقل أن تكون هذه المدرسة هي نقطة البداية في حياته ، وحينها يمكن أن يعود كبيراً بإذن الله تعالى في الأرض .
مشعل عبد العزيز الفلاحي