معنى العيد عيد
فاضل العماني
ما أقسى أن نصف العيد بمثل هذا العنوان الكئيب أعلاه؛ ولكن الحقيقة، وان بدت مرة ومؤلمة، إلا انها تشي بذلك وأكثر. نعم، لم يعد العيد، بل كل اعيادنا ومناسباتنا الاحتفائية الأخرى مصدراً للسعادة والفرح، وصدى حقيقياً للبهجة والأمل. بكل أسف، لم تعد كل تلك الاحتفاليات، مهما تعددت وتنوعت، كما كانت، تزرع الحب والفرحة، وتملأ الاجواء بالسعادة والبهجة. بكل أسف، لم تعد كذلك. لم تعد ثيابنا البيضاء الجديدة مطرزة بألوان النقاء والبساطة والعفوية، ولم تعد قلوبنا مترعة بالأماني الجميلة والذكريات السعيدة، ولم تعد تهانينا وأغانينا ممزوجة بالحب والسعادة واللقاء.
اليوم، هو عيد الفطر المبارك، يمر باهتاً وخجولاً، بعد ان فقد الكثير من وهجه وألقه وفرحه، كما لو كان مثل سائر الايام التي تمر سريعاً لتحصد ما تبقى من اعمارنا القصيرة
اليوم، هو عيد الفطر المبارك، يمر باهتاً وخجولاً، بعد ان فقد الكثير من وهجه وألقه وفرحه، كما لو كان مثل سائر الايام التي تمر سريعاً لتحصد ما تبقى من اعمارنا القصيرة.
بالنسبة لي، ومنذ أن رحلت أمي قبل ١١ عاماً، وتبعها أبي بعد ٤ سنوات، فقدت الاحساس الحقيقي بالسعادة والبهجة، ولم تعد تُشكل لي الاعياد - رغم كثرتها - مُحرضاً للفرح والأمل. يمر العيد تلو العيد، والمناسبة "السعيدة" تلو الأخرى ومازال الحد الادنى من أحلامي وآمالي وطموحاتي معلقة برسم الانتظار الطويل الذي قد يأتي أو لا يأتي. أحلامي وطموحاتي كثيرة وكبيرة جداً، ولكنها الآن وبعد أن مضى أغلب العمر، تُعد على الأصابع وليتها تتحقق!
أما على الصعيد الوطني، فها هو العيد يجتاح كل بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا ومهرجاناتنا وفعالياتنا التي لا تُعد ولا تُحصى، والتي تنتشر على امتداد الوطن، كل الوطن، ولكنه (أي العيد) للأسف الشديد، لم يقترب كثيراً من مشاعرنا وأحاسيسنا ووجداننا ومزاجنا، ولم يُحرك الرواسب الراكدة في الكثير من افكارنا وقناعاتنا وعاداتنا وسلوكياتنا. نعم، قد تكون المظاهر الشكلية للفرح والسعادة والبهجة حاضرة بقوة في مجتمعنا المحلي "المحافظ"، ولكنها لم تستطع الوصول لدواخلنا وأعماقنا. لماذا تغيب المعاني الجميلة والقيم النبيلة والسلوكيات الايجابية عن ذلك المشهد الفرائحي المزيف؟، لماذا تجد الطائفية والقبلية والمناطقية والعنصرية مكاناً كبيراً لها في المنابر والاعلامية المشبوهة؟ لماذا يغص القاموس المجتمعي بمفردات الكره والتمييز والتحقير والتخوين والتكفير والتهميش والإقصاء والازدراء؟، من المستفيد من تمظهر حالة الترصد والاحتقان والتأزم التي يتمترس خلفها الكثير من دعاة التأجيج والشحن الطائفي البغيض هنا وهناك؟ من يُغذي ويدعم ويساند هذه التعبئة الطائفية الكريهة التي تتسبب في احتقان وتصدع المجتمع؟
ما اروع هذا الوطن الذي ننتمي إليه، ولكنه رغم ما أنعم الله عليه بالخيرات والثروات والإمكانيات والقدرات التي لا مثيل لها على الإطلاق، سواء البشرية أو المادية، وبما حباه الله من تنوع جغرافي وفكري وثقافي ومذهبي، بحاجة إلى توظيف كل تلك الثروات والطاقات، وكل ذلك التنوع والتباين، فيما يُسهم في تنمية وازدهار وتطور الوطن. فالتنوع والاختلاف في المجتمعات المتحضرة والمتقدمة، يُعتبر مصدراً للثراء والتكامل والتميز، وليس مدعاة للاحتقان والتشرذم والتمييز.
أما على الصعيد العربي، فلا أظن عربياً واحداً على امتداد الوطن العربي من محيطه لخليجه، يشعر هذا اليوم بكل صدق ورضا وأمل، وبشيء من الفرح والبهجة والسعادة. نعم، قد تُمارس بعض الطقوس المعتادة في عيد الفطر، كلبس الثياب الجديدة وزيارة الاهل والأقارب والأصحاب وتبادل عبارات التهاني والتبريكات، وبعض التفاصيل الاحتفائية الاخرى التي اعتدنا عليها، رغم طغيان وسائل الاعلام الجديد، ووسائط التقنية الحديثة التي ابعدث الكثير من تلك التفاصيل الاحتفالية التقليدية. نعم، قد يحدث كل ذلك وأكثر، ولكنها مجرد مظاهر احتفالية شكلية، بل مزيفة، ولا تبعث على سعادة حقيقية، ولا تُعبر عن الامل بالمستقبل، سواء القريب أو البعيد. فالعالم العربي، ومنذ عدة سنوات، يموج بالثورات والاحتجاجات والاحتقانات، ويمر بمرحلة تحول كبير، ويتعرض لمخاض عسير، باتجاه التحرر والاستقلال والانعتاق من بطش تلك الانظمة الديكتاتورية الفاسدة التي حكمت العباد والبلاد بالحديد والنار والتنكيل، وتعاملت مع مقدرات وثروات تلك الشعوب، كما لو كانت مجرد مزارع وممتلكات خاصة.
عيد الفطر لهذا العام، لم يعد كما كان، هبة للسعادة والأمل، وثوباً جديداً للفرح. بكل أسف، لم يعد كذلك. خاصة، وهذا الوطن العربي المستهدف من كل الاتجاهات، وعلى كافة الصعد، قد أصبح مسرحاً للعنف والخطف والقتل والاغتصاب والدمار والتشريد، ولم تعد آلات القتل تميز بين الاطفال والنساء والشيوخ والمدارس والحدائق والمستشفيات. في عيد الفطر هذا، يعيش الوطن العربي على فوهة بركان منفجر، فأي طعم للفرح والسعادة، ولغة القتل هي سيدة الموقف في هذه البقعة الملتهبة.
يبدو أن العيد لم يعد يوماً للفرح والبهجة والسعادة كما كان، بل لم يعد يستحق الانتظار والاستعداد والاحتفال. ولكن في المقابل، ووسط كل هذه الاحزان والمآسي والدمار، ألا نحتاج قليلاً إلى إطلالة هذا العيد، لننسى، أو نتناسى واقعنا العربي المؤلم؟ ألا نتوق إلى الهروب، ولو قليلاً، من دائرة الحزن التي نقبع فيها منذ عقود؟ ألا نستحق ان نتنفس بعض الهواء النقي وسط هذا الدخان الكثيف الذي يغطي كل سماواتنا العربية، ألا نستحق ذلك؟
كم هو رائع وجميل أن تكون ثيابنا بيضاء ونظيفة، ولكن الاروع والأجمل أن تكون قلوبنا كذلك.
فاضل العماني
ما أقسى أن نصف العيد بمثل هذا العنوان الكئيب أعلاه؛ ولكن الحقيقة، وان بدت مرة ومؤلمة، إلا انها تشي بذلك وأكثر. نعم، لم يعد العيد، بل كل اعيادنا ومناسباتنا الاحتفائية الأخرى مصدراً للسعادة والفرح، وصدى حقيقياً للبهجة والأمل. بكل أسف، لم تعد كل تلك الاحتفاليات، مهما تعددت وتنوعت، كما كانت، تزرع الحب والفرحة، وتملأ الاجواء بالسعادة والبهجة. بكل أسف، لم تعد كذلك. لم تعد ثيابنا البيضاء الجديدة مطرزة بألوان النقاء والبساطة والعفوية، ولم تعد قلوبنا مترعة بالأماني الجميلة والذكريات السعيدة، ولم تعد تهانينا وأغانينا ممزوجة بالحب والسعادة واللقاء.
اليوم، هو عيد الفطر المبارك، يمر باهتاً وخجولاً، بعد ان فقد الكثير من وهجه وألقه وفرحه، كما لو كان مثل سائر الايام التي تمر سريعاً لتحصد ما تبقى من اعمارنا القصيرة
اليوم، هو عيد الفطر المبارك، يمر باهتاً وخجولاً، بعد ان فقد الكثير من وهجه وألقه وفرحه، كما لو كان مثل سائر الايام التي تمر سريعاً لتحصد ما تبقى من اعمارنا القصيرة.
بالنسبة لي، ومنذ أن رحلت أمي قبل ١١ عاماً، وتبعها أبي بعد ٤ سنوات، فقدت الاحساس الحقيقي بالسعادة والبهجة، ولم تعد تُشكل لي الاعياد - رغم كثرتها - مُحرضاً للفرح والأمل. يمر العيد تلو العيد، والمناسبة "السعيدة" تلو الأخرى ومازال الحد الادنى من أحلامي وآمالي وطموحاتي معلقة برسم الانتظار الطويل الذي قد يأتي أو لا يأتي. أحلامي وطموحاتي كثيرة وكبيرة جداً، ولكنها الآن وبعد أن مضى أغلب العمر، تُعد على الأصابع وليتها تتحقق!
أما على الصعيد الوطني، فها هو العيد يجتاح كل بيوتنا وشوارعنا وأسواقنا ومهرجاناتنا وفعالياتنا التي لا تُعد ولا تُحصى، والتي تنتشر على امتداد الوطن، كل الوطن، ولكنه (أي العيد) للأسف الشديد، لم يقترب كثيراً من مشاعرنا وأحاسيسنا ووجداننا ومزاجنا، ولم يُحرك الرواسب الراكدة في الكثير من افكارنا وقناعاتنا وعاداتنا وسلوكياتنا. نعم، قد تكون المظاهر الشكلية للفرح والسعادة والبهجة حاضرة بقوة في مجتمعنا المحلي "المحافظ"، ولكنها لم تستطع الوصول لدواخلنا وأعماقنا. لماذا تغيب المعاني الجميلة والقيم النبيلة والسلوكيات الايجابية عن ذلك المشهد الفرائحي المزيف؟، لماذا تجد الطائفية والقبلية والمناطقية والعنصرية مكاناً كبيراً لها في المنابر والاعلامية المشبوهة؟ لماذا يغص القاموس المجتمعي بمفردات الكره والتمييز والتحقير والتخوين والتكفير والتهميش والإقصاء والازدراء؟، من المستفيد من تمظهر حالة الترصد والاحتقان والتأزم التي يتمترس خلفها الكثير من دعاة التأجيج والشحن الطائفي البغيض هنا وهناك؟ من يُغذي ويدعم ويساند هذه التعبئة الطائفية الكريهة التي تتسبب في احتقان وتصدع المجتمع؟
ما اروع هذا الوطن الذي ننتمي إليه، ولكنه رغم ما أنعم الله عليه بالخيرات والثروات والإمكانيات والقدرات التي لا مثيل لها على الإطلاق، سواء البشرية أو المادية، وبما حباه الله من تنوع جغرافي وفكري وثقافي ومذهبي، بحاجة إلى توظيف كل تلك الثروات والطاقات، وكل ذلك التنوع والتباين، فيما يُسهم في تنمية وازدهار وتطور الوطن. فالتنوع والاختلاف في المجتمعات المتحضرة والمتقدمة، يُعتبر مصدراً للثراء والتكامل والتميز، وليس مدعاة للاحتقان والتشرذم والتمييز.
أما على الصعيد العربي، فلا أظن عربياً واحداً على امتداد الوطن العربي من محيطه لخليجه، يشعر هذا اليوم بكل صدق ورضا وأمل، وبشيء من الفرح والبهجة والسعادة. نعم، قد تُمارس بعض الطقوس المعتادة في عيد الفطر، كلبس الثياب الجديدة وزيارة الاهل والأقارب والأصحاب وتبادل عبارات التهاني والتبريكات، وبعض التفاصيل الاحتفائية الاخرى التي اعتدنا عليها، رغم طغيان وسائل الاعلام الجديد، ووسائط التقنية الحديثة التي ابعدث الكثير من تلك التفاصيل الاحتفالية التقليدية. نعم، قد يحدث كل ذلك وأكثر، ولكنها مجرد مظاهر احتفالية شكلية، بل مزيفة، ولا تبعث على سعادة حقيقية، ولا تُعبر عن الامل بالمستقبل، سواء القريب أو البعيد. فالعالم العربي، ومنذ عدة سنوات، يموج بالثورات والاحتجاجات والاحتقانات، ويمر بمرحلة تحول كبير، ويتعرض لمخاض عسير، باتجاه التحرر والاستقلال والانعتاق من بطش تلك الانظمة الديكتاتورية الفاسدة التي حكمت العباد والبلاد بالحديد والنار والتنكيل، وتعاملت مع مقدرات وثروات تلك الشعوب، كما لو كانت مجرد مزارع وممتلكات خاصة.
عيد الفطر لهذا العام، لم يعد كما كان، هبة للسعادة والأمل، وثوباً جديداً للفرح. بكل أسف، لم يعد كذلك. خاصة، وهذا الوطن العربي المستهدف من كل الاتجاهات، وعلى كافة الصعد، قد أصبح مسرحاً للعنف والخطف والقتل والاغتصاب والدمار والتشريد، ولم تعد آلات القتل تميز بين الاطفال والنساء والشيوخ والمدارس والحدائق والمستشفيات. في عيد الفطر هذا، يعيش الوطن العربي على فوهة بركان منفجر، فأي طعم للفرح والسعادة، ولغة القتل هي سيدة الموقف في هذه البقعة الملتهبة.
يبدو أن العيد لم يعد يوماً للفرح والبهجة والسعادة كما كان، بل لم يعد يستحق الانتظار والاستعداد والاحتفال. ولكن في المقابل، ووسط كل هذه الاحزان والمآسي والدمار، ألا نحتاج قليلاً إلى إطلالة هذا العيد، لننسى، أو نتناسى واقعنا العربي المؤلم؟ ألا نتوق إلى الهروب، ولو قليلاً، من دائرة الحزن التي نقبع فيها منذ عقود؟ ألا نستحق ان نتنفس بعض الهواء النقي وسط هذا الدخان الكثيف الذي يغطي كل سماواتنا العربية، ألا نستحق ذلك؟
كم هو رائع وجميل أن تكون ثيابنا بيضاء ونظيفة، ولكن الاروع والأجمل أن تكون قلوبنا كذلك.