كلام وجراح الجزء الثاني
......وللغروب في حياتي ألف ذكرى وذكرى، فقد ودعته مسافرا منذ مدة
وقت الغروب، آثر أن يطلب الرزق في بلاد غير بلاده، وأن يتركني هنا وحيدة،
غريبة بين أهالي، أقاسي الغربة مرتين، مرة عن نفسي ومرة عن غربته هناك،
وأذكر كيف كنت أصارع الدنيا بأسرها لكي لا يسافر، وأذكره بمن قال" بلادي
وإن جارت علي عزيزة .........وأهلي وإن ضنوا علي كرام"
لكن الفكرة كانت مزروعة في عقله بشكل متمكن، سرت في دمه، وغذت جسمه، فلا أقول مؤمن بها بل أشد! ولا أقول مدمن عليها بل أقوى!
بذلت
جهدي لأمنعه، لأثنيه عنها، اذكره بنفسي وفيمن هم مثلي بحاجة إليه، وكلنا
طبعا بحاجة الله، فخيرني بين أن أرافقه، وبين أنتظره سنتين لا أكثر، مؤكدا
أن سفره من أجلنا جميعا، حتى كاد يقنعني أنه من أجل الوطن، فتهت بين حبي
وغربتي، وقررت أن أبقى في وطني، لعل شوقه إلي يعيده مرة أخرى إلينا أنا
والوطن، لكن كل هذا قد ذهب أدراج الرياح، وحانت اللحظة التي أرقبها ولا
أحبها، في يوم هبت نسائمه وقت الغروب فحركت في الفؤاد ما سكن، وأنا أراقبه
يرفع الحقائب إلى سيارة وقفت تنتظره لتقله في الطريق إلى الحدود، وكلي عتاب، ولا أريد أن أبكي، لأن البكاء قد عافني، وعاتبني هو الآخر( البكاء) ودعاني للصبر والاحتساب.
تمشي
سيارته على طول الطريق، وأقف كصنم ، غير أني بيد تلوح، وبقلب ذي جراح،
وتسير هي كأنها تريد أن تعود تعاطفا معي، وهو لا يرحمني، فيلتفت بين الحين
والآخر للخلف، وتحدثني نفسي بأن أركض ورائها كطفل يهوى التعلق بما سيغيب
عنه، لعل من بداخلها يشفق على طفولة قلبي، فيوقفها ويترجل، أو يغير مسارها
إلى البيت.
لكنه أمر وقد قضي، لقد سافر، نعم سافر.
وخابت توقعاتي فلم يعده شوقه إلي، ولم يعد فعلا إلا على ناقلة الإسعاف إثر حادث الرجوع.
لقراءتها كاملة ...
http://www.najah.edu/?page=3134&news_id=6380
......وللغروب في حياتي ألف ذكرى وذكرى، فقد ودعته مسافرا منذ مدة
وقت الغروب، آثر أن يطلب الرزق في بلاد غير بلاده، وأن يتركني هنا وحيدة،
غريبة بين أهالي، أقاسي الغربة مرتين، مرة عن نفسي ومرة عن غربته هناك،
وأذكر كيف كنت أصارع الدنيا بأسرها لكي لا يسافر، وأذكره بمن قال" بلادي
وإن جارت علي عزيزة .........وأهلي وإن ضنوا علي كرام"
لكن الفكرة كانت مزروعة في عقله بشكل متمكن، سرت في دمه، وغذت جسمه، فلا أقول مؤمن بها بل أشد! ولا أقول مدمن عليها بل أقوى!
بذلت
جهدي لأمنعه، لأثنيه عنها، اذكره بنفسي وفيمن هم مثلي بحاجة إليه، وكلنا
طبعا بحاجة الله، فخيرني بين أن أرافقه، وبين أنتظره سنتين لا أكثر، مؤكدا
أن سفره من أجلنا جميعا، حتى كاد يقنعني أنه من أجل الوطن، فتهت بين حبي
وغربتي، وقررت أن أبقى في وطني، لعل شوقه إلي يعيده مرة أخرى إلينا أنا
والوطن، لكن كل هذا قد ذهب أدراج الرياح، وحانت اللحظة التي أرقبها ولا
أحبها، في يوم هبت نسائمه وقت الغروب فحركت في الفؤاد ما سكن، وأنا أراقبه
يرفع الحقائب إلى سيارة وقفت تنتظره لتقله في الطريق إلى الحدود، وكلي عتاب، ولا أريد أن أبكي، لأن البكاء قد عافني، وعاتبني هو الآخر( البكاء) ودعاني للصبر والاحتساب.
تمشي
سيارته على طول الطريق، وأقف كصنم ، غير أني بيد تلوح، وبقلب ذي جراح،
وتسير هي كأنها تريد أن تعود تعاطفا معي، وهو لا يرحمني، فيلتفت بين الحين
والآخر للخلف، وتحدثني نفسي بأن أركض ورائها كطفل يهوى التعلق بما سيغيب
عنه، لعل من بداخلها يشفق على طفولة قلبي، فيوقفها ويترجل، أو يغير مسارها
إلى البيت.
لكنه أمر وقد قضي، لقد سافر، نعم سافر.
وخابت توقعاتي فلم يعده شوقه إلي، ولم يعد فعلا إلا على ناقلة الإسعاف إثر حادث الرجوع.
لقراءتها كاملة ...
http://www.najah.edu/?page=3134&news_id=6380