الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.. وبعد:
الله سبحانه ذكر الإحسان إلى الجار بعد ذكر عبادته وحده لاشريك له، وبعد ذكر حقوق الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، ممّا يدل على عظم هذه الحقوق وتأكيدها، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: 36].
قال ابن عباس رضي الله عنه: " {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يعني الذي بينك وبينه قرابة. {الْجَارِ الْجُنُبِ} الذي ليس بينك وبينه قرابة".
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار، وبين أنّ ذلك إنّما هو بأمر الله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنّه سيورثه» [متفق عليه]. أي: حتى ظننت أنّه سيجعل له نصيباً من الميراث ويدخله في جملة الورثة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره» [متفق عليه].
حد الجوار:
يطلق وصف الجار على من تلاصق داره دارك، وعلى غير الملاصق إلى أربعين داراً، وقد سئل الحسن البصري عن الجار فقال: "أربعين دارا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره". (الأدب المفرد).
وروي عن علي رضي الله عنه أنّ من سمع النداء فهو جار.
وقيل: إنّ من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار.
وقد جعل الله عز وجل الاجتماع في المدينة جواراً، قال تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب: 60] ممّا يدل على أنّ حد الجوار أكبر من ذلك.
من حقوق الجار:
1- أن يسمح الرجل لجاره بغرز خشبه في جداره، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره. ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم» [متفق عليه].
وجمهور العلماء حملوه على الندب والاستحباب وبر الجار والتجاوز له والإحسان إليه، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: «لايحل مال امرىء مسلم إلّا عن طيب نفس منه» [صححه الألباني].
2- أن يتعاهد جيرانه ويطعمهم من طعامه إن رأوه أو شموا رائحته، ويطفئ جوعهم إن علم بذلك وقدر عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» [رواه مسلم].
وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «ليس المؤمن بالذي يشبع؛ وجاره جائع إلى جنبه» [حسنه الألباني].
3- أن يقدم الجار الأقرب في الهدية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما سألته : "يا رسول الله إنّ لي جارين، فإلى أيّهما أهدي؟"، قال: «إلى أقربهما منك بابا» [رواه البخاري].
والحكمة في ذلك أنّ الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوق لها، بخلاف الأبعد، كما أنّ الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة.
كما أنّه على المهدى له أن لا يستقله ويحتقره وإن كان قليلاً ولأجل كل ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» [متفق عليه].
والفرسن: عظم قليل اللحم، وهو خف البعير كالحافر للدابة.
4- أن يعينه إذا استعان به.
5- أن يقرضه إذا استقرضه.
6- أن يعوده إذا مرض.
7- أن يهنئه إذا أصابه خير.
8- أن يعزيه إذا أصابته مصيبة.
9- أن يتبع جنازته إذا مات.
10- أن لا يستطيل عليه بالبنيان فيحجب عنه الريح إلّا بإذنه.
11- إن اشترى فاكهة فليهد له منها.
قال الغزالي: "اعلم أنّه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى، ولايكفى احتمال الأذى بل لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف".
مراتب الجــيــــــران:
1- جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار.
2- وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام.
3- وجار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم له رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق القربى.
وأمّا من حيث القرب فالجار إمّا أن يكون قريباً منك وإمّا بعيداً، ملاصقاً أو غير ملاصق، ورتبة هؤلاء تتفاوت من حيث عدد الحقوق ومدى القرب، والجار الأقرب يُقَدم على الجار الأبعد، وهو ما استشعره علماء الإسلام، فهذا الإمام البخاري نجده يبوب في كتابه (الأدب المفرد) (باب الأدنى فالأدنى من الجيران)، وذلك تنبيهاً على قدره، ويترتب عليه حسن المعاملة والوقوف بجانبه واجتناب أذيته، وهذا من شأنه أن يكفل التعايش بين النّاس في طمأنينة بسبب استشعار هذا البعد الديني في المعاملات، وتحقيق الرحمة التي جاء بها الإسلام، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يسمي نفسه بها، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة» [رواه مسلم].
حقوق الجار غير المسلم:
اعتنت الشريعة الإسلامية الغراء بحقوق غير المسلمين، ومعلوم أنّ الذين يحظون بكل هذه العناية هم الذين لا يؤذون جماعة المسلمين، ولا يكيدون لهم كيداً، ولا يناصبونهم العداء، ولهم ذمة.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في حسن تعامله مع جيرانه من غير المسلمين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: "أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النّار» [رواه البخاري].
وهذا عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - وقد ذبح شاة نجده يقول: أهديتم لجاري اليهودي؟؛ فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه» [رواه البخاري].
فالخلاف في الدين لا يوجب ظلم النّاس، والمحافظة على حقوقهم مع اختلاف العقيدة ما داموا ملتزمين بواجباتهم.
النتائج والثمرات:
1- هي سبب في تعمير الديار لما يحس به المرء من راحة البال بجوار جاره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم، وحسن الخلق وحسن الجوار يعمر الديار، ويزيدان في الأعمار» [صححه الألباني].
2- يقبل الله عز وجل شهادة جيرانه في حقه بالخير ويغفر له ما لا يعلمون وفي ذلك روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلّا قال: قد قبلت فيه علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون» [قال الألباني حسن لغيره].
3- هي سبب رفع منزلته في الدنيا لأنّ الإحسان إلى الجار والكف عن أذيته من مكارم الأخلاق التي تعد شرطاً في المروءة.
4- هي سبب رفع منزلته عند الله عز وجل. وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله عز وجل خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» [صححه الألباني].
5- هي سبب سعادة المرء، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء» [صححه الألباني].
كيف أكسب جاري؟
ما نراه اليوم من جفوة بين الجيران وخصومات وسوء عشرة وعداوة في بعض الأحيان ما هو إلّا نتاج الإهمال والتفريط فهذه وسائل وطرق شرعية تحفظ دفئ العلاقات بين الجيران منها:
1- كف الأذى وبذل الندى.
2- البدء بالسلام.
3- طلاقة الوجه.
4- المواساة في الشدة.
5- احترام الخصوصيات.
6- قبول الأعذار بالمسامحة والرفق واللين.
7- النصح برفق ولين.
8- الستر وترك التعيير.
9- الزيارة في الأوقات المناسبة.
10- المجاملة اللطيفة.
الترهيب من الإساءة إلى الجار:
لاشك أنّ الأذية للجار أعظم من أذية غيره، وكلما كانت أكبر كانت أعظم حتى قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة؛ أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره»، قال: «ما تقولون في السرقة؟»، قالوا: "حرمها الله ورسوله، فهي حرام". قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات؛ أيسر عليه من أن يسرق من جاره» [صححه الألباني].
ومن كان متصفاً بهذه الصفات السيئة لزم أن يكون ناقص الإيمان إن لم يكن عديمه وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: "ومن يا رسول الله؟"، قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» [رواه البخاري].
وفي هذا الحديث تأكيد لحق الجار، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل حسب ظاهر الحديث. وقد حمله كثير من العلماء على أنّ مراده نفي كمال الإيمان ولا شك أنّ العاصي غير كامل الإيمان.
عاقبة الإساءة إلى الجار:
1- عدم حمد أحد سلوكه في الدنيا، وتشكي النّاس من سوء فعاله كما في الحديث الذي اشتكى فيه أحدهم من سوء معاملة جاره له. وفي وصية لقمان لابنه، قال: "يا بني، حملت الجندل و الحديد فلم أر شيئاً أثقل من جار سوء وذقت المرار كله فلم أر شيئاً أمر من الفقر". [رواه ابن أبي شيبة والبيهقي].
2 أول الخصوم يوم القيامة هم الجيران لعظم الذنب المقترف في حقهم واستهانة النّاس بهم. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول خصمين يوم القيامة: جاران» [حسنه الألباني].
3- العذاب بالنّار إلّا أن يتغمده الله برحمته، عن أبى هريرة رضي الله عنه أنّه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:إنّ فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيها، هي من أهل النّار» [رواه البخاري في الأدب المفرد].
الله سبحانه ذكر الإحسان إلى الجار بعد ذكر عبادته وحده لاشريك له، وبعد ذكر حقوق الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، ممّا يدل على عظم هذه الحقوق وتأكيدها، قال تعالى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: 36].
قال ابن عباس رضي الله عنه: " {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يعني الذي بينك وبينه قرابة. {الْجَارِ الْجُنُبِ} الذي ليس بينك وبينه قرابة".
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار، وبين أنّ ذلك إنّما هو بأمر الله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنّه سيورثه» [متفق عليه]. أي: حتى ظننت أنّه سيجعل له نصيباً من الميراث ويدخله في جملة الورثة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره» [متفق عليه].
حد الجوار:
يطلق وصف الجار على من تلاصق داره دارك، وعلى غير الملاصق إلى أربعين داراً، وقد سئل الحسن البصري عن الجار فقال: "أربعين دارا أمامه وأربعين خلفه وأربعين عن يمينه وأربعين عن يساره". (الأدب المفرد).
وروي عن علي رضي الله عنه أنّ من سمع النداء فهو جار.
وقيل: إنّ من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار.
وقد جعل الله عز وجل الاجتماع في المدينة جواراً، قال تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب: 60] ممّا يدل على أنّ حد الجوار أكبر من ذلك.
من حقوق الجار:
1- أن يسمح الرجل لجاره بغرز خشبه في جداره، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره. ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم» [متفق عليه].
وجمهور العلماء حملوه على الندب والاستحباب وبر الجار والتجاوز له والإحسان إليه، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: «لايحل مال امرىء مسلم إلّا عن طيب نفس منه» [صححه الألباني].
2- أن يتعاهد جيرانه ويطعمهم من طعامه إن رأوه أو شموا رائحته، ويطفئ جوعهم إن علم بذلك وقدر عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك» [رواه مسلم].
وروت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: «ليس المؤمن بالذي يشبع؛ وجاره جائع إلى جنبه» [حسنه الألباني].
3- أن يقدم الجار الأقرب في الهدية مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما سألته : "يا رسول الله إنّ لي جارين، فإلى أيّهما أهدي؟"، قال: «إلى أقربهما منك بابا» [رواه البخاري].
والحكمة في ذلك أنّ الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوق لها، بخلاف الأبعد، كما أنّ الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات ولا سيما في أوقات الغفلة.
كما أنّه على المهدى له أن لا يستقله ويحتقره وإن كان قليلاً ولأجل كل ذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» [متفق عليه].
والفرسن: عظم قليل اللحم، وهو خف البعير كالحافر للدابة.
4- أن يعينه إذا استعان به.
5- أن يقرضه إذا استقرضه.
6- أن يعوده إذا مرض.
7- أن يهنئه إذا أصابه خير.
8- أن يعزيه إذا أصابته مصيبة.
9- أن يتبع جنازته إذا مات.
10- أن لا يستطيل عليه بالبنيان فيحجب عنه الريح إلّا بإذنه.
11- إن اشترى فاكهة فليهد له منها.
قال الغزالي: "اعلم أنّه ليس حق الجوار كف الأذى فقط بل احتمال الأذى، ولايكفى احتمال الأذى بل لابد من الرفق وإسداء الخير والمعروف".
مراتب الجــيــــــران:
1- جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار.
2- وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام.
3- وجار له ثلاثة حقوق وهو الجار المسلم له رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق القربى.
وأمّا من حيث القرب فالجار إمّا أن يكون قريباً منك وإمّا بعيداً، ملاصقاً أو غير ملاصق، ورتبة هؤلاء تتفاوت من حيث عدد الحقوق ومدى القرب، والجار الأقرب يُقَدم على الجار الأبعد، وهو ما استشعره علماء الإسلام، فهذا الإمام البخاري نجده يبوب في كتابه (الأدب المفرد) (باب الأدنى فالأدنى من الجيران)، وذلك تنبيهاً على قدره، ويترتب عليه حسن المعاملة والوقوف بجانبه واجتناب أذيته، وهذا من شأنه أن يكفل التعايش بين النّاس في طمأنينة بسبب استشعار هذا البعد الديني في المعاملات، وتحقيق الرحمة التي جاء بها الإسلام، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يسمي نفسه بها، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة» [رواه مسلم].
حقوق الجار غير المسلم:
اعتنت الشريعة الإسلامية الغراء بحقوق غير المسلمين، ومعلوم أنّ الذين يحظون بكل هذه العناية هم الذين لا يؤذون جماعة المسلمين، ولا يكيدون لهم كيداً، ولا يناصبونهم العداء، ولهم ذمة.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في حسن تعامله مع جيرانه من غير المسلمين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: «أسلم»، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: "أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم"، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «الحمد لله الذي أنقذه من النّار» [رواه البخاري].
وهذا عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - وقد ذبح شاة نجده يقول: أهديتم لجاري اليهودي؟؛ فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورثه» [رواه البخاري].
فالخلاف في الدين لا يوجب ظلم النّاس، والمحافظة على حقوقهم مع اختلاف العقيدة ما داموا ملتزمين بواجباتهم.
النتائج والثمرات:
1- هي سبب في تعمير الديار لما يحس به المرء من راحة البال بجوار جاره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم، وحسن الخلق وحسن الجوار يعمر الديار، ويزيدان في الأعمار» [صححه الألباني].
2- يقبل الله عز وجل شهادة جيرانه في حقه بالخير ويغفر له ما لا يعلمون وفي ذلك روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلّا قال: قد قبلت فيه علمكم فيه وغفرت له ما لا تعلمون» [قال الألباني حسن لغيره].
3- هي سبب رفع منزلته في الدنيا لأنّ الإحسان إلى الجار والكف عن أذيته من مكارم الأخلاق التي تعد شرطاً في المروءة.
4- هي سبب رفع منزلته عند الله عز وجل. وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الأصحاب عند الله عز وجل خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» [صححه الألباني].
5- هي سبب سعادة المرء، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء» [صححه الألباني].
كيف أكسب جاري؟
ما نراه اليوم من جفوة بين الجيران وخصومات وسوء عشرة وعداوة في بعض الأحيان ما هو إلّا نتاج الإهمال والتفريط فهذه وسائل وطرق شرعية تحفظ دفئ العلاقات بين الجيران منها:
1- كف الأذى وبذل الندى.
2- البدء بالسلام.
3- طلاقة الوجه.
4- المواساة في الشدة.
5- احترام الخصوصيات.
6- قبول الأعذار بالمسامحة والرفق واللين.
7- النصح برفق ولين.
8- الستر وترك التعيير.
9- الزيارة في الأوقات المناسبة.
10- المجاملة اللطيفة.
الترهيب من الإساءة إلى الجار:
لاشك أنّ الأذية للجار أعظم من أذية غيره، وكلما كانت أكبر كانت أعظم حتى قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «لأن يزني الرجل بعشر نسوة؛ أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره»، قال: «ما تقولون في السرقة؟»، قالوا: "حرمها الله ورسوله، فهي حرام". قال: «لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات؛ أيسر عليه من أن يسرق من جاره» [صححه الألباني].
ومن كان متصفاً بهذه الصفات السيئة لزم أن يكون ناقص الإيمان إن لم يكن عديمه وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»، قيل: "ومن يا رسول الله؟"، قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» [رواه البخاري].
وفي هذا الحديث تأكيد لحق الجار، لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل حسب ظاهر الحديث. وقد حمله كثير من العلماء على أنّ مراده نفي كمال الإيمان ولا شك أنّ العاصي غير كامل الإيمان.
عاقبة الإساءة إلى الجار:
1- عدم حمد أحد سلوكه في الدنيا، وتشكي النّاس من سوء فعاله كما في الحديث الذي اشتكى فيه أحدهم من سوء معاملة جاره له. وفي وصية لقمان لابنه، قال: "يا بني، حملت الجندل و الحديد فلم أر شيئاً أثقل من جار سوء وذقت المرار كله فلم أر شيئاً أمر من الفقر". [رواه ابن أبي شيبة والبيهقي].
2 أول الخصوم يوم القيامة هم الجيران لعظم الذنب المقترف في حقهم واستهانة النّاس بهم. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أول خصمين يوم القيامة: جاران» [حسنه الألباني].
3- العذاب بالنّار إلّا أن يتغمده الله برحمته، عن أبى هريرة رضي الله عنه أنّه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم:إنّ فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيها، هي من أهل النّار» [رواه البخاري في الأدب المفرد].