قوله تعالى : (وَإنكَ لعَلى خُلقٍ عَظيم) القلم آية 4.
هل يقصد بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهل ذكر خلق الرسول في القرآن؟ وما هي الآيات الدالة على خلقه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه عليه الصلاة والسلام بعدما نزل الوحي عليه صار امتثال أوامره واجتناب نواهيه سجية له، وخلقاً ثابتاً من أخلاقه، هذا مع ما جبله الله عليه قبل ذلك من الخلق العظيم، والحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم والأمانة والصدق. وقد وصفه ربه سبحانه بأنه لعلى خلق عظيم، وأكد ذلك الوصف مرتين في آية واحدة، فأكده بإن، وأكده باللام فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم: 4].
وأثنى عليه في آيات أُخر منها قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) [الأحزاب: 21]. فبين سبحانه أنه عليه الصلاة والسلام الأسوة الحسنة التي ينبغي للأمة أن تتأسى به في كل شيء قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) [الجمعة: 2].
والتزكية هي التطهير من أدناس الأعمال والأقوال والأخلاق والنيات، فجعل الله من صفات نبيه أنه يزكي من آمن به واتبعه، ولا يمكن أن تكون هذه التزكية بمجرد القول، بل لابد أن يكون المزكي صلى الله عليه وسلم مثالاً حياً رفيعاً في التزكية.
وقال سبحانه: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) [آل عمران: 159]. فوصفه بخلق الرحمة ولين الجانب، ونفى عنه ما يقابلهما من سوء الأخلاق، وقال سبحانه: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) [التوبة: 9]. فوصفه سبحانه أنه (عزيز عليه ما عنتم) أي يشق عليه ضرركم وأذاكم، وأنه حريص عليكم أي على ما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، وختم الآية بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم.
وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق) [الأحزاب: 53].
فقد كان صلى الله عليه وسلم حيياً كريماً، حتى إنه إذا أراد أن يتفرغ لأهله في يوم زواجه، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يطلب من جلسائه الانصراف، ولا ينصرف هو حياءً منهم، بل يبقى جالساً معهم إلى أن يكونوا هم المنصرفين.
فبين الله للمؤمنين ما يجب عليهم من أدب تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبان خلقاً عظيماً من أخلاقه، وهو: خلق الحياء، حيث يستحي أن يجرح مشاعر جلسائه، ولو صدر منهم ما يؤذيه.
وقال سبحانه: (إذ تصعدوون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم) [آل عمران: 153].
فألمح القرآن إلى شجاعته صلى الله عليه وسلم، وإلى ثباته في مواقف البأس الشديد، ففي معركة أحد عندما دارت الدائرة على المؤمنين، وفزعوا واضطربوا وانهزموا متجهين إلى المرتفعات يصعدون ولا يلوون على أحد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت لم يتزلزل، ولم يثبت معه إلا نفر يسير.
وقال سبحانه: (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) [الشعراء: 3].
وقال سبحانه: (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) [فاطر: 8].
وقال سبحانه: (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) [النمل: 70].
وقال سبحانه: (واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) [النحل: 128].
ففي هذه الآيات بيان لمدى رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقته بمن دعاهم إلى الهداية فأعرضوا عنها حتى أنه كاد يهلك من الحزن والأسى لأنهم لم يؤمنوا، وهذا يدل على ما يحمله هذا القلب العظيم من حب الخير للناس كافة، وصدق الله تعالى إذ قال: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) [الأنبياء: 107]. والله أعلم.