أحكــام الاغتسال
أحكــام الاغتسال
تعريف الغسل:
الغسل بضم الغين المعجمة اسم للاغتسال وهو تعميم البدن بالماء.
وقال الحافظ في الفتح: وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة بالنية . قال الله تعال: (( وإن كنتم جنباً فاطهروا )).
موجبات الغسل:
الموجب الأول : خروج المني دفقاً بلذة . هذا. والدليل على ذلك:
1- قوله تعالى: (( وإن كنتم جنباً فاطهروا )). والجنب هو الذي خرج منه المني بلذة.
2. قوله صلى الله عليه وسلم: " الماء من الماء " المراد بالماء الأول ماء الغسل عبر به، وبالماء الثاني أي: إذا خرج المني وجب الغسل.
وظاهر الحديث أنه يجب الغسل سواء خرج دفقاً بلذة أم لا وهذا مذهب الشافعي رحمه الله: أن خروج المني مطلقاً موجباً للغسل حتى ولو بدون شهوة وبأي سبب خرج لعموم الحديث وجمهور أهل العلم: يشترطون لوجوب الغسل بخروجه أن يكون دفقاً بلذة .
وقال بعض العلماء: بلذة وحذف دفقاً وقال: إنه متى كان بلذة فلا بد أن يكون دفقاً.
وذكر الدفق أولى لموافقة قوله تعالى: (( فلينظر الإنسان مما خلق. خلق من ماء دافق. ))
فإذا خرج من غير لذة من يقضان فإنه لا يوجب الغسل على الصحيح.
فإن قيل: ما الجواب عن حديث "الماء من الماء"
قلنا: إنه يحمل على المعهود المعروف الذي يخرج بلذة ويوجب تحلل البدن وفتوره أما الذي بدون ذلك فإنه لا يوجب تحلله ولا فتوره ولهذا ذكروا لهذا الماء ثلاث علامات:
الأولى: أن يخرج دفقاً.
الثانية: الرائحة فإذا كان يابساً فإن رائحته تكون كرائحة البيض وإذا كان غير يابس فرائحته تكون كرائحة العجين واللقاح.
الثالثة: فتور البدن بعد خروجه.
فإنه إن خرج من نائم وجب الغسل مطلقاً سواء كان على هذا الوصف أم لم يكن لأن النائم قد لا يحس به وهذا يقع كثيراً أن الإنسان إذا أستيقظ وجد الأثر ولم يشعر باحتلام والدليل على ذلك إن أم سليم رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه هل عليها غسل؟ قال:" نعم إذا هي رأت الماء" فأوجب الغسل إذا هي رأت الماء ولم يشترط أكثر من ذلك فدل على وجوب الغسل على من أستيقظ ووجد الماء سواء أحس بخروجه أم لم يحس وسواء رأى أنه احتلم أم لم يرى لأن النائم قد ينسى والمراد بالماء هنا المني.
# مسألة :
إذا أستيقظ ووجد بللاً فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتيقن انه موجب للغسل يعني: أنه مني وفي هذه الحال يجب عليه أن يغتسل سواء ذكر احتلاماً أم لم يذكر.
الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني وفي هذه الحال لا يجب الغسل لكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه لأن حكمه حكم البول.
الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا؟ فإن وجد ما يحال عليه الحكم بكونه منياً أو مذياً أحيل الحكم عليه إن لم يوجد فالأصل الطهارة وعدم وجوب الغسل وكيفية إحالة الحكم أن يقال: إن ذكر أنه احتلم فإننا نجعله منياً وإن لم يرى شيء في منامه وقد سبق نومه تفكير في الجماع جعلناه مذياً لأنه يخرج بعد التفكير في الجماع دون إحساس وإن لم يسبقه تفكير ففيه قولان للعلماء:
قيل: يجب أن يغتسل احتياطاً.
وقيل: لا يجب وقد تعارض هنا أصلان.
# مسألة:
حكم المني إذا انتقل ولم يخرج.
يعني أحس بانتقاله لكنه لم يخرج فإنه يغتسل لأن الماء باعد محله فصدق عليه انه جنب لأن أصل الجنابة من البعد. وهل يمكن أن ينتقل بلا خروج؟
نعم يمكن ذلك بأن تفتر شهوته بعد انتقاله بسبب من الأسباب فلا يخرج المني.
وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال وهذا اختيار شيخ الإسلام وهو الصواب والدليل على ذلك ما يلي:
1. حديث أم سلمة وفيه: "نعم إذا هي رأت الماء" ولم يقل: أو أحست بانتقاله ولو وجب الغسل بالانتقال لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة لبيانه.
2. حديث أبي سعيد الخدري: " إنما الماء من الماء" وهنا لا يوجد ماء والحديث يدل على أنه إذا لم يكن ماء فلا ماء.
3. أن الأصل بقاء الطهارة وعدم موجب الغسل ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل.
# مسألة:
إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة هل ي
عيد الغسل؟
إنه لا يعيد الغسل والدليل:
1. أن السبب واحد فلا يوجب غسلين.
2. أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني.
الموجب الثاني : من موجبات الغسل تغييب حشفة أصلية.
وتغيب الشيء في الشيء معناه: أن يختفي فيه.
فإذا غيبَ الإنسان حشفته في فرج أصلي وجب عليه الغسل أنزل أم لم ينزل والدليل على ذلك:حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" أخرجه الشيخان وفي لفظ لمسلم:" وإن لم ينزل" وهذا صريح في وجوب الغسل وإن لم ينزل وهذا يخفى على كثير من الناس.
الموجب الثالث : من موجبات الغسل إسلام الكافر.
فإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل سواء كان أصلياً أم مرتداً.
فالأصلي: من كان من أول حياته على غير دين الإسلام كاليهودي والنصراني والبوذي وما أشبه ذلك .
والمرتد: من كان على دين الإسلام ثم ارتد عنه نسأل الله السلامة كمن ترك الصلاة أو اعتقد أن لله شريكاً.
والدليل على وجوب الغسل بذلك:
1. حديث قيس بن عاصم أنه لما أسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر والأصل في الأمر الوجوب.
2. أنه طهر باطنه من نجس الشرك فمن الحكمة أن يطهر ظاهره بالغسل.
وقال بعض العلماء: لا يجب الغسل بذلك واستدل على ذلك بأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عام مثل: من أسلم فليغتسل، كما قال:" من جاء منكم الجمعة فليغتسل" وما أكثر الصحابة الذين أسلموا ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالغسل أو قال من أسلم فليغتسل ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة الناس إليه.
وقد نقول: إن القول الأول أقوى وهو وجوب الغسل لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الأمة بحكم ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به أمر للأمة جميعاً إذ لا معنى لتخصيصه به وأمره صلى الله عليه وسلم لواحد لا يعني عدم أمر غيره به.
أما عدم النقل عن كل واحد من الصحابة أنه اغتسل بعد إسلامه فنقول: عدم النقل ليس نقلاً للعدم لأن الأصل العمل بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم أن ينقل العمل به من كل واحد.
قال بعض العلماء: إن أتى في كفره بما يوجب الغسل كالجناية مثلاً وجب عليه الغسل سواء اغتسل منها أم لا وإن لم يأتي بموجب لم يجب عليه الغسل.
وقال آخرون: إنه لا يجب عليه الغسل مطلقاً وإن وجد عليه جنابة حال كفره ولم يغتسل منها لأنه غير مأمور بشرائع الإسلام والأحوط أن يغتسل لأنه إن اغتسل وصلى فصلاته صحيحة على جميع الأقوال ولو صلى ولم يغتسل ففي صحة صلاته خلاف بين أهل العلم.
الموجب الرابع : من موجبات الغسل الموت.
أي: إذا مات المسلم وجب على المسلمين غسله والدليل على ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم فيمن وقصته ناقته بعرفة:" اغسلوه بماء وسدر…" والأصل في الأمر الوجوب.
الموجب الخامس : من موجبات الغسل الحيض.
فإذا حاضت المرأة وجب عليها الغسل وانقطاع الحيض شرط فلو اغتسلت فبل أن تطهر لم يصح إذ من شرط صحة الاغتسال الطهارة. والدليل على وجوب الغسل من الحيض: حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تجلس عادتها ثم تغتسل وتصلي والأصل في الأمر الوجوب.
الموجب السادس : من موجبات الغسل النفاس.
النفاس: الدم الخارج مع الولادة أو بعدها أو قبلها بيومين أو ثلاثة ومه طلق.
أما الدم الذي في وسط الحمل أو في آخر الحمل ولكن بدون طلق فليس بشيء فتصلي وتصوم ولا يحرم عليها شيء مما يحرم على النفساء. والدليل على وجوب الغسل منه: أنه نوع من الحيض ولهذا أطلق النبي صلى الله عليه وسلم اسم النفاس على الحيض بقوله لعائشة لما حاضت:" لعلك نفستِ" وقد أجمع العلماء على وجوب الغسل بالنفاس كالحيض.
ما يمنع منه الجنب:
أولأ: من كان جنباً حرم عليه قراءة القرآن.
أي: حتى يغتسل وإن توضأ ولم يغتسل فالتحريم لا يزال باقياً. والدليل على أن الجنب ممنوع من القرآن ما يلي:
1. حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة.
2. ولأن في منعه من قراءة القرآن حثاً على المبادرة إلى الاغتسال فيكون في ذلك مصلحة.
وأما بالنسبة للحائض: فإنها ممن يلزمه الغسل وعلى هذا فجمهور أهل العلم أنه لا يجوز لها أن تقرأ القرآن ولكن لها أن تذكر الله بما يوافق القرآن.
· وقال شيخ الإسلام رحمه الله: أنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي:
1. أن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع.
2. أن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقاً وقد أثنى الله على من يتلو كتابه فمن أخرج شخصاً عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع فإنها مأمورة بالقراءة.
فإن قيل: ألا يمكن أن تقاس على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب الخارج؟
أجيب: أنه قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال أما الحائض فليس باختيارها لأن تزيل هذا المانع وأيضاً: فإن الحائض مدتها تطول غالباً والجنب مدته لا تطول لأنه سوف تأتيه الصلاة ويلزم بالاغتسال.
ثانياً: مما يمنع منه الجنب المكث في المسجد.
أي: يحرم على من لزمه الغسل اللبث في المسجد: أي: الإقامة فيه ولو مدة قصيرة والدليل على ذلك:قوله تعالى: (( ياءيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل )) يعني ولا تقربوها إلا عابري سبيل.
# مسألة:
هل يجوز اللبث في المسجد للجنب إذا توضأ ؟
إن توضأ جاز المكث والدليل على ذلك:
1. أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا توضؤا من الجنابة مكثوا في المسجد فكان الواحد منهم ينام في المسجد فإذا احتلم ذهب فتوضأ ثم عاد وهذا دليل على أنه جائز لأن ما فعل في عهده صلى الله عليه وسلم ولم ينكره فهو جائز إن كان من الأفعال غير التعبدية وإن كان من الأفعال التعبدية فهو دليل على الإنسان يؤجر عليه.
2. أن الوضوء يخفف الجنابة بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يكون عليه الغسل أينام وهو جنب؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب".
3. ولأن الوضوء أحد الطهورين ولولا الجنابة لكان رافعاً للحدث رفعاً كلياً فحينئذ يكون مخففاً للجنابة.
صفة الغسل وأنواعه:
الغسل له صفتان:
الأولى: صفة إجزاء.
الثانية: صفة كمال.
والضابط: أن ما اشتمل على الواجب فقط فهو صفة إجزاء وما اشتمل على الواجب والمسنون فهو صفة كمال.
صفة الكمال:
أن ينوي والنية في الاصطلاح: عزم القلب على فعل الشيء عزماً جازماً سواء كان عبادة أم عادة .
والنية نيتان:
الأولى: نية العمل ويتكلم عليها الفقهاء رحمهم الله لأنها هي المصححة للعمل.
الثانية: نية المعمول له وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد وأرباب السلوك لأنها تتعلق بالإخلاص.
ثم يسمي أي بعد النية ويغسل يديه ثلاثاً هذا سنة، واليدان: الكفان لأن اليد إذا أطلقة فهي الكف. والدليل قوله تعالى: (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )) والذي يقطع هو الكف فقط.
ثم يغسل ما لوثه من أثر الجنابة وفي حديث ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غسله ما لوثه ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً.
ثم يتوضأ وضوءه للصلاة. والظاهر أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة كما لو كانت الأرض طيناً لأنه لو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل رجليه في حديث عائشة بعد الغسل. ورواية: (( أنه غسل رجليه )) ضعيفة والصواب: أنه غسل رجليه في حديث ميمونة فقط.
ثم يحثي الماء على رأسه ثلاثاً حتى يرويه أي: يصل إلى أصوله بحيث لا يكون الماء قليلاً. وفي حديث عائشة رضي الله عنها :"ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده " وظاهره أنه يصب الماء أولاً ويخلله ثم يفيض عليه بعد ذلك ثالث مرات.
ثم يعمم بدنه بالماء ويدلكه أي: يمر يده عليه وشرع الدلك ليتيقن وصول الماء إلى جميع البدن لأنه لو صبَّ بلا دلك ربما يتفرق في البدن من أجل ما فيه من الدهون فسن الدلك.
ويتيامن أي: يبدأ بالجانب الأيمن لحديث عائشة رضي الله عنها:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله".
صفة الإجزاء:
أي: الذي تبرأ به الذمة.
أن ينوي ويسمي ثم يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق.
# مسألة:
إن نوى بغسله رفع الحدثين هل يجزئه؟
اختار شيخ الإسلام: أنه يرتفع الحدثان جميعاً واستدل: بقوله تعالى: (( وإن كنتم جنباً فاطهروا)) فإذا تطهر بنية الحدث الأكبر فإنه يجزئه لأن الله لم يذكر شيئاً سوى ذلك وهذا هو الصحيح.
# مسألة:
ما حكم نوم الجنب؟
والذي يظهر أن الراجح في هذه المسألة: أن الجنب لا ينام إلا بوضوء على سبيل الاستحباب لحديث عائشة رضي الله عنها:" أن النبي كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً" وكذا بالنسبة للأكل والشرب.
أحكام الاغتسال للجمعة:
قال صلى الله عليه وسلم:" غسل الجمعة واجب على كل محتلم" أخرجه السبعة.
# مسألة:
ما حكم الاغتسال للجمعة؟
فيه خلاف بين العلماء:
1.ذهب الظاهرية والإمام أحمد في رواية أنه واجب يأثم الإنسان بتركه.
2.وذهب جمهور العلماء أنه سنة وليس بواجب بل أدعى ابن عبد البر الإجماع على هذا.
وأجابوا عن الحديث السابق بأنه لا يدل على الوجوب بحيث يأثم من تركه وإنما معنى واجب أي: متأكد في حقه من السنة والاستحباب والفضيلة كما يقول الرجل لصاحبه" حقك واجب علي" أي متأكد وليس المراد بالواجب هنا الذي يعاقب على تركه كما هو مصطلح الفقهاء فإن مصطلح الفقهاء متأخر جداً عن عهد النبوة فلا يحمل اللفظ النبوي عليه.
· أما الأحاديث التي فيها الأمر بالاغتسال ليوم الجمعة فأجابوا عنها بما يلي:
1.أنها كانت تفيد الوجوب في أول الأمر فقد كان الصحابة رضي الله عنهم في أول الإسلام في حال ضيقة وغالب لباسهم الصوف فلما وسع الله عليهم ولبسوا القطن رخص لهم في ذلك.
2.أنها الآن تفيد الندب والاستحباب المتأكد جمعاً بين الأحاديث.
§ الراجح أن غسل الجمعة سنة مؤكدة كما ذكر الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في (فتاوى إسلامية) أما من كانت به رائحة كريهة من عرق أو غيره مما يتأذى به الناس فهذا يجب عليه أن يغتسل وهذا أحد الأقوال في مذهب أحمد وذكر المرداوي أنه اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
# مسألة:
وقت غسل الجمعة.
قال الجمهور بأنه يجزئ من بعد فجر الجمعة ولو اغتسل في الفجر ثم أحدث فيكفيه الوضوء ولا يعيد الغسل والأفضل أن يفعله عندما يريد الخروج إلى الجمعة خصوصاً من يخشى أن يصيبه أثناء النهار ما يغير رائحته فتذهب الحكمة التي من أجلها شرع الغسل إذا اغتسل في الفجر ثم اشتغل بما غير رائحته.
# مسألة:
هل يجزئ الاغتسال بعد صلاة الجمعة عن غسل الجمعة؟
حكى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد صلاة الجمعة أنه لا يعد مغتسلاً للجمعة ولا فاعلاً لما أمر به أما ابن حزم فلم يشترط تقدم الغسل على صلاة الجمعة فلو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقاً بإضافة الغسل إلى اليوم وهذا مردود عليه فما الفائدة في أن يذهب المصلي إلى الجمعة ويؤذي المسلمين بروائحه ثم يغتسل للجمعة بعد انتهائها وانتهاء اجتماعها.
# مسألة:
قال صلى الله عليه وسلم:" من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه الخمسة وحسنه الترمذي.
الحديث من أدلة الجمهور على عدم وجوب غسل الجمعة كما تقدم في الحديث السابق.
ويبقى هنا سؤال وهو: كيف يفضل الغسل وهو سنة على الوضوء وهو فريضة والفريضة أفضل إجماعاً؟
والجواب: أنه ليس التفضيل على الوضوء نفسه بل على الوضوء الذي لا غسل معه كأنه قال: من توضأ واغتسل فهو أفضل ممن توضأ فقط.
والله تعالى أسأل أن ينفع بهذا البحث الميسر كاتبه وقارئه.
وأخيراً اعلموا أني بشر أصيب وأخطى فما وجد من خير فمن الله
وما وجد من غير ذلك فمن نفسي والشيطان
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أحكــام الاغتسال
تعريف الغسل:
الغسل بضم الغين المعجمة اسم للاغتسال وهو تعميم البدن بالماء.
وقال الحافظ في الفتح: وحقيقة الاغتسال غسل جميع الأعضاء مع تمييز ما للعبادة عما للعادة بالنية . قال الله تعال: (( وإن كنتم جنباً فاطهروا )).
موجبات الغسل:
الموجب الأول : خروج المني دفقاً بلذة . هذا. والدليل على ذلك:
1- قوله تعالى: (( وإن كنتم جنباً فاطهروا )). والجنب هو الذي خرج منه المني بلذة.
2. قوله صلى الله عليه وسلم: " الماء من الماء " المراد بالماء الأول ماء الغسل عبر به، وبالماء الثاني أي: إذا خرج المني وجب الغسل.
وظاهر الحديث أنه يجب الغسل سواء خرج دفقاً بلذة أم لا وهذا مذهب الشافعي رحمه الله: أن خروج المني مطلقاً موجباً للغسل حتى ولو بدون شهوة وبأي سبب خرج لعموم الحديث وجمهور أهل العلم: يشترطون لوجوب الغسل بخروجه أن يكون دفقاً بلذة .
وقال بعض العلماء: بلذة وحذف دفقاً وقال: إنه متى كان بلذة فلا بد أن يكون دفقاً.
وذكر الدفق أولى لموافقة قوله تعالى: (( فلينظر الإنسان مما خلق. خلق من ماء دافق. ))
فإذا خرج من غير لذة من يقضان فإنه لا يوجب الغسل على الصحيح.
فإن قيل: ما الجواب عن حديث "الماء من الماء"
قلنا: إنه يحمل على المعهود المعروف الذي يخرج بلذة ويوجب تحلل البدن وفتوره أما الذي بدون ذلك فإنه لا يوجب تحلله ولا فتوره ولهذا ذكروا لهذا الماء ثلاث علامات:
الأولى: أن يخرج دفقاً.
الثانية: الرائحة فإذا كان يابساً فإن رائحته تكون كرائحة البيض وإذا كان غير يابس فرائحته تكون كرائحة العجين واللقاح.
الثالثة: فتور البدن بعد خروجه.
فإنه إن خرج من نائم وجب الغسل مطلقاً سواء كان على هذا الوصف أم لم يكن لأن النائم قد لا يحس به وهذا يقع كثيراً أن الإنسان إذا أستيقظ وجد الأثر ولم يشعر باحتلام والدليل على ذلك إن أم سليم رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل في منامه هل عليها غسل؟ قال:" نعم إذا هي رأت الماء" فأوجب الغسل إذا هي رأت الماء ولم يشترط أكثر من ذلك فدل على وجوب الغسل على من أستيقظ ووجد الماء سواء أحس بخروجه أم لم يحس وسواء رأى أنه احتلم أم لم يرى لأن النائم قد ينسى والمراد بالماء هنا المني.
# مسألة :
إذا أستيقظ ووجد بللاً فلا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يتيقن انه موجب للغسل يعني: أنه مني وفي هذه الحال يجب عليه أن يغتسل سواء ذكر احتلاماً أم لم يذكر.
الثانية: أن يتيقن أنه ليس بمني وفي هذه الحال لا يجب الغسل لكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه لأن حكمه حكم البول.
الثالثة: أن يجهل هل هو مني أم لا؟ فإن وجد ما يحال عليه الحكم بكونه منياً أو مذياً أحيل الحكم عليه إن لم يوجد فالأصل الطهارة وعدم وجوب الغسل وكيفية إحالة الحكم أن يقال: إن ذكر أنه احتلم فإننا نجعله منياً وإن لم يرى شيء في منامه وقد سبق نومه تفكير في الجماع جعلناه مذياً لأنه يخرج بعد التفكير في الجماع دون إحساس وإن لم يسبقه تفكير ففيه قولان للعلماء:
قيل: يجب أن يغتسل احتياطاً.
وقيل: لا يجب وقد تعارض هنا أصلان.
# مسألة:
حكم المني إذا انتقل ولم يخرج.
يعني أحس بانتقاله لكنه لم يخرج فإنه يغتسل لأن الماء باعد محله فصدق عليه انه جنب لأن أصل الجنابة من البعد. وهل يمكن أن ينتقل بلا خروج؟
نعم يمكن ذلك بأن تفتر شهوته بعد انتقاله بسبب من الأسباب فلا يخرج المني.
وقال بعض العلماء: لا غسل بالانتقال وهذا اختيار شيخ الإسلام وهو الصواب والدليل على ذلك ما يلي:
1. حديث أم سلمة وفيه: "نعم إذا هي رأت الماء" ولم يقل: أو أحست بانتقاله ولو وجب الغسل بالانتقال لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة لبيانه.
2. حديث أبي سعيد الخدري: " إنما الماء من الماء" وهنا لا يوجد ماء والحديث يدل على أنه إذا لم يكن ماء فلا ماء.
3. أن الأصل بقاء الطهارة وعدم موجب الغسل ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل.
# مسألة:
إذا اغتسل لهذا الذي انتقل ثم خرج مع الحركة هل ي
عيد الغسل؟
إنه لا يعيد الغسل والدليل:
1. أن السبب واحد فلا يوجب غسلين.
2. أنه إذا خرج بعد ذلك خرج بلا لذة ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة لكن لو خرج مني جديد لشهوة طارئة فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني.
الموجب الثاني : من موجبات الغسل تغييب حشفة أصلية.
وتغيب الشيء في الشيء معناه: أن يختفي فيه.
فإذا غيبَ الإنسان حشفته في فرج أصلي وجب عليه الغسل أنزل أم لم ينزل والدليل على ذلك:حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل" أخرجه الشيخان وفي لفظ لمسلم:" وإن لم ينزل" وهذا صريح في وجوب الغسل وإن لم ينزل وهذا يخفى على كثير من الناس.
الموجب الثالث : من موجبات الغسل إسلام الكافر.
فإذا أسلم الكافر وجب عليه الغسل سواء كان أصلياً أم مرتداً.
فالأصلي: من كان من أول حياته على غير دين الإسلام كاليهودي والنصراني والبوذي وما أشبه ذلك .
والمرتد: من كان على دين الإسلام ثم ارتد عنه نسأل الله السلامة كمن ترك الصلاة أو اعتقد أن لله شريكاً.
والدليل على وجوب الغسل بذلك:
1. حديث قيس بن عاصم أنه لما أسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر والأصل في الأمر الوجوب.
2. أنه طهر باطنه من نجس الشرك فمن الحكمة أن يطهر ظاهره بالغسل.
وقال بعض العلماء: لا يجب الغسل بذلك واستدل على ذلك بأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عام مثل: من أسلم فليغتسل، كما قال:" من جاء منكم الجمعة فليغتسل" وما أكثر الصحابة الذين أسلموا ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالغسل أو قال من أسلم فليغتسل ولو كان واجباً لكان مشهوراً لحاجة الناس إليه.
وقد نقول: إن القول الأول أقوى وهو وجوب الغسل لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم واحداً من الأمة بحكم ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به أمر للأمة جميعاً إذ لا معنى لتخصيصه به وأمره صلى الله عليه وسلم لواحد لا يعني عدم أمر غيره به.
أما عدم النقل عن كل واحد من الصحابة أنه اغتسل بعد إسلامه فنقول: عدم النقل ليس نقلاً للعدم لأن الأصل العمل بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا يلزم أن ينقل العمل به من كل واحد.
قال بعض العلماء: إن أتى في كفره بما يوجب الغسل كالجناية مثلاً وجب عليه الغسل سواء اغتسل منها أم لا وإن لم يأتي بموجب لم يجب عليه الغسل.
وقال آخرون: إنه لا يجب عليه الغسل مطلقاً وإن وجد عليه جنابة حال كفره ولم يغتسل منها لأنه غير مأمور بشرائع الإسلام والأحوط أن يغتسل لأنه إن اغتسل وصلى فصلاته صحيحة على جميع الأقوال ولو صلى ولم يغتسل ففي صحة صلاته خلاف بين أهل العلم.
الموجب الرابع : من موجبات الغسل الموت.
أي: إذا مات المسلم وجب على المسلمين غسله والدليل على ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم فيمن وقصته ناقته بعرفة:" اغسلوه بماء وسدر…" والأصل في الأمر الوجوب.
الموجب الخامس : من موجبات الغسل الحيض.
فإذا حاضت المرأة وجب عليها الغسل وانقطاع الحيض شرط فلو اغتسلت فبل أن تطهر لم يصح إذ من شرط صحة الاغتسال الطهارة. والدليل على وجوب الغسل من الحيض: حديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تجلس عادتها ثم تغتسل وتصلي والأصل في الأمر الوجوب.
الموجب السادس : من موجبات الغسل النفاس.
النفاس: الدم الخارج مع الولادة أو بعدها أو قبلها بيومين أو ثلاثة ومه طلق.
أما الدم الذي في وسط الحمل أو في آخر الحمل ولكن بدون طلق فليس بشيء فتصلي وتصوم ولا يحرم عليها شيء مما يحرم على النفساء. والدليل على وجوب الغسل منه: أنه نوع من الحيض ولهذا أطلق النبي صلى الله عليه وسلم اسم النفاس على الحيض بقوله لعائشة لما حاضت:" لعلك نفستِ" وقد أجمع العلماء على وجوب الغسل بالنفاس كالحيض.
ما يمنع منه الجنب:
أولأ: من كان جنباً حرم عليه قراءة القرآن.
أي: حتى يغتسل وإن توضأ ولم يغتسل فالتحريم لا يزال باقياً. والدليل على أن الجنب ممنوع من القرآن ما يلي:
1. حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة.
2. ولأن في منعه من قراءة القرآن حثاً على المبادرة إلى الاغتسال فيكون في ذلك مصلحة.
وأما بالنسبة للحائض: فإنها ممن يلزمه الغسل وعلى هذا فجمهور أهل العلم أنه لا يجوز لها أن تقرأ القرآن ولكن لها أن تذكر الله بما يوافق القرآن.
· وقال شيخ الإسلام رحمه الله: أنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة وإذا كان كذلك فلها أن تقرأ القرآن لما يلي:
1. أن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع.
2. أن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقاً وقد أثنى الله على من يتلو كتابه فمن أخرج شخصاً عن عبادة الله بقراءة القرآن فإننا نطالبه بالدليل وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع فإنها مأمورة بالقراءة.
فإن قيل: ألا يمكن أن تقاس على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب الخارج؟
أجيب: أنه قياس مع الفارق لأن الجنب باختياره أن يزيل هذا المانع بالاغتسال أما الحائض فليس باختيارها لأن تزيل هذا المانع وأيضاً: فإن الحائض مدتها تطول غالباً والجنب مدته لا تطول لأنه سوف تأتيه الصلاة ويلزم بالاغتسال.
ثانياً: مما يمنع منه الجنب المكث في المسجد.
أي: يحرم على من لزمه الغسل اللبث في المسجد: أي: الإقامة فيه ولو مدة قصيرة والدليل على ذلك:قوله تعالى: (( ياءيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل )) يعني ولا تقربوها إلا عابري سبيل.
# مسألة:
هل يجوز اللبث في المسجد للجنب إذا توضأ ؟
إن توضأ جاز المكث والدليل على ذلك:
1. أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا توضؤا من الجنابة مكثوا في المسجد فكان الواحد منهم ينام في المسجد فإذا احتلم ذهب فتوضأ ثم عاد وهذا دليل على أنه جائز لأن ما فعل في عهده صلى الله عليه وسلم ولم ينكره فهو جائز إن كان من الأفعال غير التعبدية وإن كان من الأفعال التعبدية فهو دليل على الإنسان يؤجر عليه.
2. أن الوضوء يخفف الجنابة بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يكون عليه الغسل أينام وهو جنب؟ فقال صلى الله عليه وسلم:" إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب".
3. ولأن الوضوء أحد الطهورين ولولا الجنابة لكان رافعاً للحدث رفعاً كلياً فحينئذ يكون مخففاً للجنابة.
صفة الغسل وأنواعه:
الغسل له صفتان:
الأولى: صفة إجزاء.
الثانية: صفة كمال.
والضابط: أن ما اشتمل على الواجب فقط فهو صفة إجزاء وما اشتمل على الواجب والمسنون فهو صفة كمال.
صفة الكمال:
أن ينوي والنية في الاصطلاح: عزم القلب على فعل الشيء عزماً جازماً سواء كان عبادة أم عادة .
والنية نيتان:
الأولى: نية العمل ويتكلم عليها الفقهاء رحمهم الله لأنها هي المصححة للعمل.
الثانية: نية المعمول له وهذه يتكلم عليها أهل التوحيد وأرباب السلوك لأنها تتعلق بالإخلاص.
ثم يسمي أي بعد النية ويغسل يديه ثلاثاً هذا سنة، واليدان: الكفان لأن اليد إذا أطلقة فهي الكف. والدليل قوله تعالى: (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )) والذي يقطع هو الكف فقط.
ثم يغسل ما لوثه من أثر الجنابة وفي حديث ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند غسله ما لوثه ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً.
ثم يتوضأ وضوءه للصلاة. والظاهر أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة كما لو كانت الأرض طيناً لأنه لو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل رجليه في حديث عائشة بعد الغسل. ورواية: (( أنه غسل رجليه )) ضعيفة والصواب: أنه غسل رجليه في حديث ميمونة فقط.
ثم يحثي الماء على رأسه ثلاثاً حتى يرويه أي: يصل إلى أصوله بحيث لا يكون الماء قليلاً. وفي حديث عائشة رضي الله عنها :"ثم يخلل بيده شعره حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده " وظاهره أنه يصب الماء أولاً ويخلله ثم يفيض عليه بعد ذلك ثالث مرات.
ثم يعمم بدنه بالماء ويدلكه أي: يمر يده عليه وشرع الدلك ليتيقن وصول الماء إلى جميع البدن لأنه لو صبَّ بلا دلك ربما يتفرق في البدن من أجل ما فيه من الدهون فسن الدلك.
ويتيامن أي: يبدأ بالجانب الأيمن لحديث عائشة رضي الله عنها:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله".
صفة الإجزاء:
أي: الذي تبرأ به الذمة.
أن ينوي ويسمي ثم يعمم بدنه بالماء مع المضمضة والاستنشاق.
# مسألة:
إن نوى بغسله رفع الحدثين هل يجزئه؟
اختار شيخ الإسلام: أنه يرتفع الحدثان جميعاً واستدل: بقوله تعالى: (( وإن كنتم جنباً فاطهروا)) فإذا تطهر بنية الحدث الأكبر فإنه يجزئه لأن الله لم يذكر شيئاً سوى ذلك وهذا هو الصحيح.
# مسألة:
ما حكم نوم الجنب؟
والذي يظهر أن الراجح في هذه المسألة: أن الجنب لا ينام إلا بوضوء على سبيل الاستحباب لحديث عائشة رضي الله عنها:" أن النبي كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً" وكذا بالنسبة للأكل والشرب.
أحكام الاغتسال للجمعة:
قال صلى الله عليه وسلم:" غسل الجمعة واجب على كل محتلم" أخرجه السبعة.
# مسألة:
ما حكم الاغتسال للجمعة؟
فيه خلاف بين العلماء:
1.ذهب الظاهرية والإمام أحمد في رواية أنه واجب يأثم الإنسان بتركه.
2.وذهب جمهور العلماء أنه سنة وليس بواجب بل أدعى ابن عبد البر الإجماع على هذا.
وأجابوا عن الحديث السابق بأنه لا يدل على الوجوب بحيث يأثم من تركه وإنما معنى واجب أي: متأكد في حقه من السنة والاستحباب والفضيلة كما يقول الرجل لصاحبه" حقك واجب علي" أي متأكد وليس المراد بالواجب هنا الذي يعاقب على تركه كما هو مصطلح الفقهاء فإن مصطلح الفقهاء متأخر جداً عن عهد النبوة فلا يحمل اللفظ النبوي عليه.
· أما الأحاديث التي فيها الأمر بالاغتسال ليوم الجمعة فأجابوا عنها بما يلي:
1.أنها كانت تفيد الوجوب في أول الأمر فقد كان الصحابة رضي الله عنهم في أول الإسلام في حال ضيقة وغالب لباسهم الصوف فلما وسع الله عليهم ولبسوا القطن رخص لهم في ذلك.
2.أنها الآن تفيد الندب والاستحباب المتأكد جمعاً بين الأحاديث.
§ الراجح أن غسل الجمعة سنة مؤكدة كما ذكر الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في (فتاوى إسلامية) أما من كانت به رائحة كريهة من عرق أو غيره مما يتأذى به الناس فهذا يجب عليه أن يغتسل وهذا أحد الأقوال في مذهب أحمد وذكر المرداوي أنه اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
# مسألة:
وقت غسل الجمعة.
قال الجمهور بأنه يجزئ من بعد فجر الجمعة ولو اغتسل في الفجر ثم أحدث فيكفيه الوضوء ولا يعيد الغسل والأفضل أن يفعله عندما يريد الخروج إلى الجمعة خصوصاً من يخشى أن يصيبه أثناء النهار ما يغير رائحته فتذهب الحكمة التي من أجلها شرع الغسل إذا اغتسل في الفجر ثم اشتغل بما غير رائحته.
# مسألة:
هل يجزئ الاغتسال بعد صلاة الجمعة عن غسل الجمعة؟
حكى ابن عبد البر الإجماع على أن من اغتسل بعد صلاة الجمعة أنه لا يعد مغتسلاً للجمعة ولا فاعلاً لما أمر به أما ابن حزم فلم يشترط تقدم الغسل على صلاة الجمعة فلو اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقاً بإضافة الغسل إلى اليوم وهذا مردود عليه فما الفائدة في أن يذهب المصلي إلى الجمعة ويؤذي المسلمين بروائحه ثم يغتسل للجمعة بعد انتهائها وانتهاء اجتماعها.
# مسألة:
قال صلى الله عليه وسلم:" من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه الخمسة وحسنه الترمذي.
الحديث من أدلة الجمهور على عدم وجوب غسل الجمعة كما تقدم في الحديث السابق.
ويبقى هنا سؤال وهو: كيف يفضل الغسل وهو سنة على الوضوء وهو فريضة والفريضة أفضل إجماعاً؟
والجواب: أنه ليس التفضيل على الوضوء نفسه بل على الوضوء الذي لا غسل معه كأنه قال: من توضأ واغتسل فهو أفضل ممن توضأ فقط.
والله تعالى أسأل أن ينفع بهذا البحث الميسر كاتبه وقارئه.
وأخيراً اعلموا أني بشر أصيب وأخطى فما وجد من خير فمن الله
وما وجد من غير ذلك فمن نفسي والشيطان
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.