من طرف Love Mama الأربعاء 9 مارس - 17:17
الفصل الخامس
في إعجاز القرآن ـ الوجه الثالث: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات
J -الوجه الثالث من الإعجاز ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات ، وما لم يكن ولم يقع ، فوجد ، كما ورد وعلى الوجه الذي أخبر به ، كقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ) ( الفتح 27)وقوله تعالى :( وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (الروم : 3 ). وقوله تعالى :(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة : 33 )وقوله تعالى: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور : 55 ) -وقوله تعالى :( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ( 1 ) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ( 2 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ( 3 ) –(النصر) فكان جميع هذا ، كما قال ...فغلبت الروم فارس في بضع سنين ، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً ، فما مات r وفي بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام .واستخلف الله المؤمنين في الأرض ، ومكَّن فيها دينهم ، و ملكهم إياها من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب ، كما قال r : زويت إلى الأرض ، فأريت مشارقها و مغاربها ، و سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها . قلت: أخرج هذا الحديث ابن ماجه في السنن ؛ والألباني في صحيح السيرة ، ولفظه :زويت لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وأعطيت الكنزين الأصفر أو الأحمر والأبيض، ( يعني الذهب والفضة) وقيل لي إن ملكك إلى حيث زوي لك.. وإني سألت الله عز وجل ثلاثا : أن لا يسلط على أمتي جوعا فيهلكهم به عامة ، وأن لا يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض، وإنه قيل لي إذا قضيت قضاء فلا مرد له وإني لن أسلط على أمتك جوعا فيهلكهم فيه ولن أجمع عليهم من بين أقطارها حتى يفني بعضهم بعضا ويقتل بعضهم بعضا وإذا وضع السيف في أمتي فلن يرفع عنهم إلى يوم القيامة.. وإن مما أتخوف على أمتي أئمة مضلين.. وستعبد قبائل من أمتي الأوثان ، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين .. وإن بين يدي الساعة دجالين كذابين قريبا من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي ، ولن تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل .. قال أبو الحسن لما فرغ أبو عبد الله من هذا الحديث قال ما أهوله .. قال الشيخ الألباني : صحيح.. سند الحديث : حدثنا هشام بن عمار ثنا محمد بن شعيب بن شابور ثنا سعيد بن بشير عن قتادة أنه حدثهم عن أبي قلابة الجرمي عبد الله بن زيد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مولى رسول الله r أن رسول الله r قال: ... (الحديث). J -وقوله : ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر : 9 ) ، فكان كذلك ، لا يكاد يعد من سعى في تغييره وتبديل محكمه من الملحدة والمعطلة ، لا سيما القرامطة ، فأجمعوا كيدهم وحولهم وقوتهم ، اليوم نيفاً على خمسمائة عام ، فما قدروا على إطفاء شيء من نوره ، ولا تغيير كلمة من كلامه ، ولا تشكيك المسلمين في حرف من حروفه ، و الحمد لله . ومنه قوله : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر : 45 )
-وقوله:(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) (التوبة 14 )
وقوله:(هُوَالَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة 33 ) وقوله: (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) (آل عمران : 111 ). فكان كل ذلك .وما فيه من كشف أسرار المنافقين واليهود ، ومقالهم وكذبهم في حلفهم ، وتقريعهم بذلك ، كقوله:(وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (المجادلة وقوله : (يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران : 154 ). وقوله:( َمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة 41)وقوله : (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ) (النساء : 46 ). وقد قال مبدياً ، ما قدَّره الله واعتقده المؤمنون يوم بدر : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) (الأنفال : 7 )ومنه قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر : 95 ). ولما نزلت بشر النبي r بذلك أصحابه بأن الله كفاه إياهم ، وكان المستهزئون نفراً بمكة ينفرون الناس عنه و يؤذونه فهلكوا . وقوله (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (المائدة : 67 ).فكان كذلك على كثرة من رام ضره ، وقصد قتله ، والأخبار بذلك معروفة صحيحة . قلت : ذكرابن كثير في التفسير أسماء هؤلاء المستهزئين كما رواه ابن اسحاق ،قال: قوله تعالى : {وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين} أي بلغ ما أنزل إليك من ربك, ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله {ودّوا لو تدهن فيدهنون} ولا تخفهم فإن لله كافيك إياهم وحافظك منهم, كقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن, حدثناإسحاق بن إدريس, حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم, عن أنس قال: سمعت أنساً يقول في هذه الاَية, {إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر} قال: مر رسول الله rفغمزه بعضهم فجاء جبريل, أحسبه قال: فغمزهم, فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا. قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر, وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة , كان رسول الله r فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه, فقال: «اللهم أعم بصره, وأثكله ولده». ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة, ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم, ومن بني سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد, ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن ـ عمرو بن ملكان ـ. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله r الاستهزاء أنزل الله تعالى: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين إلى قوله فسوف يعلمون}. وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء,أن جبريل أتى رسول الله r وهو يطوف بالبيت , فقام وقام رسول الله rإلى جنبه, فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه, فاستسقى بطنه, ومر به الوليد بن المغيرة, فأشار إلى أثر جرحٍ بأسفل كعب رجله, وكان أصابه قبل ذلك بسنتين, وهو يجز إزاره, وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له, فتعلق سهم من نبله بإزا ره فخدش رجله ذلك الخدش, وليس بشيء, فانتفض به فقتله, ومر به العاص بن وائل, فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف, فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه فقتلته, ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخط قيحاً فقتله. قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن رجل, عن ابن عباس قال: كان رأسهم الوليد بن المغيرة وهو الذي جمعهم, وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة نحو سياق محمد بن إسحاق به, عن يزيد عن عروة بطوله, إلا أن سعيداً يقول: الحارث بن غيطلة, وعكرمة يقول الحارث بن قيس. قال الزهري: وصدقا هو الحارث بن قيس, وأمه غيطلة, وكذا روي عن مجاهد ومقسم وقتادة وغير واحد أنهم كانوا خمسة. وقال الشعبي: كانوا سبعة, والمشهور الأول .