حكاية معاش على أبواب رمضان
فهد السلمان
أبلغ من العمر 3000 وحدة نقدية، وأنتسب إلى رجل تجاوز الستين بقليل.. اعتدتُ أن أمضي إليه نهاية كل شهر.. فأجد مكاني في حسابه مفروشا بالأصفار، وفي أحسن الأحوال بحصير الهللات، فيما هو ينتظرني على أحرّ من شمس هذه الأيام القائلة.. في منتصف ليل الخامس والعشرين.. جئتُ كالمعتاد.. كنتُ أتوقع أنه غارق في نومه في مثل هذا الوقت.. لكنني ما إن أخذتُ مكاني في زحمة صندوق ماكينة الصرف بين ملايين القطع النقدية.. حتى سمعتُ كبير الحواسيب يستصرخني، أن أرفع رأسي لبطاقة ذكية دخلتْ في فم آلة الصرف، نهضتُ مفزوعا، فإذا بصاحبي يقف قبالتي بعينين حمراوين.. علق رقمه السري، وهو يتأمل الشاشة، وبعد لحظات كبس زر (مبلغ آخر)، كتب الرقم، ثم طمسه، وعاد مجددا ليعيد كتابته (400) ريال، اقتطعتُ الوحدات المطلوبة مني، وناولتها إياه، لكنه بعد أن أخذها وعدّها.. توقف قليلا، وكأنه كان ينتظر مني أن أنفحه مبلغا آخر فوق ما طلب، أو كأنما خشي أن أغدر به بعدما يذهب فأنفقها للشخص الذي يليه، أعلن كبير الحواسيب (انتهاء العملية) لكن الرجل ظل مكانه بلا حراك يحمل المبلغ بيد، وكشف الحساب باليد الأخرى.. عندها نهرني كبير الحواسيب لأعود إلى مكاني.
دفعني الفضول لاستخدام حاستي النقدية.. فتواصلتُ مع ما اقتطعه الرجل مني لأعرف إلى أين ستذهب.. اكتشفتُ أنها ترقد في جيبه مع قائمة طويلة كتبتها له زوجته على سبيل الاستعداد لرمضان.. كانت القائمة تمط لسانها للقطع النقدية الأربعة.. تهزأ بها، وبوهنها.. وفي الصباح الباكر وبعد أن رفع إلى شاحنته البائسة كرتونا من الدجاج البرازيلي، وبعض صناديق الخضار.. سمعتُ أصحابي يحتفلون في خزينة فاخرة، مدججة بالجشع، من دخلها كان آمنا، لأنها ذات منفذ واحد لا يسمح إلا بالدخول، وإن خرج منها أحد فليأتِ بأضعاف أضعافه ثم يعود. بعد سويعات عاد الرجل مرة أخرى، وكبس ذات الزر (مبلغ آخر) ووضع الرقم (600)، وكرر ما فعله في المرة السابقة.. ليعود أدراجه إلى ذات المتجر ليتم لائحة الطلبات الرمضانية مع التقتير.. حيث تعامى عن الأعداد المطلوبة، مكتفيا بالصنف فقط، وفي طريق عودته إلى منزله.. عرّج على البنك، وسلمهم بطاقته ليقتطعوا (500) ريال مقابل الكهرباء.
ها قد طار نصف المعاش.. حمد الله وأثنى عليه، استدعى ابنته الصغيرة، وطلب منها أن تدفع رسوم الهاتف الذي كان قد توقف عن الإرسال مكتفيا بالاستقبال منذ بضعة أيام، وحينما فرغت من إتمام العملية مع هاتف البنك المجاني.. جاء صوت آلة التسجيل معلنة أن كل ما تبقى مني لا يزيد على (800) ريال، لعن في سره غراهام بل الذي اكتشف هذه الآلة اللعينة التي تتاجر ببيع الكلام. وفي هذه الأثناء، كان الولد يتمسح به على أمل أن يظفر ببطاقة شحن.. فيما كانت الأم تناوله قائمة الطلبات الثقيلة (الرز، والقهوة، والهيل، والصابون، والزيت، والدقيق ووو إلخ).
أعترف رغم عشقي للصحبة، أنني شعرتُ بالغصة لهذا الذي عجز عن أن يحتفظ ولو ببعضي إلى اليوم التالي.. أمام شغف وسعار وجشع أصحاب الخزائن والأرصدة الكبيرة التي تغازلني حتى في منامها.
فهد السلمان
أبلغ من العمر 3000 وحدة نقدية، وأنتسب إلى رجل تجاوز الستين بقليل.. اعتدتُ أن أمضي إليه نهاية كل شهر.. فأجد مكاني في حسابه مفروشا بالأصفار، وفي أحسن الأحوال بحصير الهللات، فيما هو ينتظرني على أحرّ من شمس هذه الأيام القائلة.. في منتصف ليل الخامس والعشرين.. جئتُ كالمعتاد.. كنتُ أتوقع أنه غارق في نومه في مثل هذا الوقت.. لكنني ما إن أخذتُ مكاني في زحمة صندوق ماكينة الصرف بين ملايين القطع النقدية.. حتى سمعتُ كبير الحواسيب يستصرخني، أن أرفع رأسي لبطاقة ذكية دخلتْ في فم آلة الصرف، نهضتُ مفزوعا، فإذا بصاحبي يقف قبالتي بعينين حمراوين.. علق رقمه السري، وهو يتأمل الشاشة، وبعد لحظات كبس زر (مبلغ آخر)، كتب الرقم، ثم طمسه، وعاد مجددا ليعيد كتابته (400) ريال، اقتطعتُ الوحدات المطلوبة مني، وناولتها إياه، لكنه بعد أن أخذها وعدّها.. توقف قليلا، وكأنه كان ينتظر مني أن أنفحه مبلغا آخر فوق ما طلب، أو كأنما خشي أن أغدر به بعدما يذهب فأنفقها للشخص الذي يليه، أعلن كبير الحواسيب (انتهاء العملية) لكن الرجل ظل مكانه بلا حراك يحمل المبلغ بيد، وكشف الحساب باليد الأخرى.. عندها نهرني كبير الحواسيب لأعود إلى مكاني.
دفعني الفضول لاستخدام حاستي النقدية.. فتواصلتُ مع ما اقتطعه الرجل مني لأعرف إلى أين ستذهب.. اكتشفتُ أنها ترقد في جيبه مع قائمة طويلة كتبتها له زوجته على سبيل الاستعداد لرمضان.. كانت القائمة تمط لسانها للقطع النقدية الأربعة.. تهزأ بها، وبوهنها.. وفي الصباح الباكر وبعد أن رفع إلى شاحنته البائسة كرتونا من الدجاج البرازيلي، وبعض صناديق الخضار.. سمعتُ أصحابي يحتفلون في خزينة فاخرة، مدججة بالجشع، من دخلها كان آمنا، لأنها ذات منفذ واحد لا يسمح إلا بالدخول، وإن خرج منها أحد فليأتِ بأضعاف أضعافه ثم يعود. بعد سويعات عاد الرجل مرة أخرى، وكبس ذات الزر (مبلغ آخر) ووضع الرقم (600)، وكرر ما فعله في المرة السابقة.. ليعود أدراجه إلى ذات المتجر ليتم لائحة الطلبات الرمضانية مع التقتير.. حيث تعامى عن الأعداد المطلوبة، مكتفيا بالصنف فقط، وفي طريق عودته إلى منزله.. عرّج على البنك، وسلمهم بطاقته ليقتطعوا (500) ريال مقابل الكهرباء.
ها قد طار نصف المعاش.. حمد الله وأثنى عليه، استدعى ابنته الصغيرة، وطلب منها أن تدفع رسوم الهاتف الذي كان قد توقف عن الإرسال مكتفيا بالاستقبال منذ بضعة أيام، وحينما فرغت من إتمام العملية مع هاتف البنك المجاني.. جاء صوت آلة التسجيل معلنة أن كل ما تبقى مني لا يزيد على (800) ريال، لعن في سره غراهام بل الذي اكتشف هذه الآلة اللعينة التي تتاجر ببيع الكلام. وفي هذه الأثناء، كان الولد يتمسح به على أمل أن يظفر ببطاقة شحن.. فيما كانت الأم تناوله قائمة الطلبات الثقيلة (الرز، والقهوة، والهيل، والصابون، والزيت، والدقيق ووو إلخ).
أعترف رغم عشقي للصحبة، أنني شعرتُ بالغصة لهذا الذي عجز عن أن يحتفظ ولو ببعضي إلى اليوم التالي.. أمام شغف وسعار وجشع أصحاب الخزائن والأرصدة الكبيرة التي تغازلني حتى في منامها.