مشاعر أب يزوج ابنته2
ا.د. وسمية عبدالمحسن المنصور
بعض الآباء يعجز عن التعبير لأن عاطفته المشحونة قد أغلقت دونه منافذ التعبير، وبعضهم يرى أن الموقف يحتاج بلاغة لا يرى في نفسه مقدرة على الرقي إليها فيستكتب من يستمع لبثه ويستنطق مشاعره ليصوغها بلفظ الكاتب.
التجربة التي أنقلها إليك عزيزي القارئ تجربة رجل من رجال السلطة زوج ابنته لمن هو كفؤ لها في الرتبة الاجتماعية لكنه يقيم بعيدا عن موطنها وديار أهلها، لا يملك الأب وهو يجهز ابنته للرحيل إلا أن يكلف من رجال دولته رجلا من أقرب خاصته يرافق موكب الابنة العروس وحمله رسالة إلى زوجها يوصيه وصية تقطر رقة في مخاطبة المرسل إليه، وتفوح شفقة على ابنته، وتفصح عما يعتمل في جوانحه من محبة لابنته وقلق على ما ينتظرها في مرابع غريبة عنها، ورفقة لم تعتد عليها.
ولما كان الأب لا يحسن التعبير كتابة، وإن كان قائد دولة فالبيان موهبة وتدريب فقد استعان بكاتبه.
الرسالة في كتاب قرى الضيف 1/31 استكتب فيها (عز الدولة باختيار) أحد كتابه وهو (أبو إسحاق) رسالة وجهها إلى (عدة الدولة أبي تغلب) والي الموصل وكان باختيار قد زوج الوالي ابنته ولا بد من نقلها إلى زوجها، واستأمن (باختيار) أحد رجال دولته وهو (أبو النجم بدر الحرمي) على صحبة ابنته ونقل رسالته التي دبجها (أبو إسحاق) فصلا من كتاب استحسنه الناس وتحفظوه وأقر له بالبراعة والبلاغة كل بليغ ونص الرسالة: «قد توجه أبو النجم بدر الحرمي، وهو الأمين على ما يلحظه الوفي بما يحفظه نحوك، يا سيدي ومولاي -أدام الله عزك- بالوديعة.
وإنما نقلت من وطن إلى سكن، ومن مغرس إلى معرس، ومن مأوى بر وانعطاف إلى مثوى كرامة وإلطاف.
ومن منبت درت لها نعماؤه إلى منشأ تجود عليها سماؤه، وهي بضعة مني انفصلت إليك، وثمرة من جنى قلبي حصلت لديك. وما بان عني من وصلت حبله بحبلك، وتخيرت له بارع فضلك، وبوأته المنزل الرحب من جميل خلائقك، وأسكنته الكنف الفسيح من كرم شيمك وطرائقك. ولا ضياع على ما تضمه أمانتك، ويشتمل عليه حفظك ورعايتك. وأرجو أن يقرن الله موردها بالطائر السعيد والأمر الرشيد، والعز الزائد والمجد الصاعد، والنماء في الائتلاف والعصمة من الفرقة بالخلاف. حتى تكون عوائد البركة بأحوالها منوطة، ومن عوادي الأيام وغيرها محوطة».
بعد نهاية الرسالة يعلق صاحب الكتاب مفسرا علة وصف الابنة بالوديعة يقول: «وإنما ألم أبو إسحاق في تسميته لها بالوديعة بالفصل الذي كتبه جعفر بن محمد بن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون في ذكر ابنته قطر الندى المنقولة إليه وهو: «وأما الوديعة أعزك الله فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك».
وفي مجلس أبي تغلب؛ قرئت الرسالة فاعتمد في الجواب عنه على كاتبه أبي الفرج الببغاء الذي كتب كتابا ردا على رسالة الأب؛ جاء فيها: «وأما أبو النجم بدر الحرمي - أيده الله- المستوجب للارتضاء والإحماد، الموفي بمناصحته على كل مراد، فقد أدى الأمانة إلى متحملها، وسلم الذخيرة الجليلة إلى متقبلها. فحلت من محل العز في وطنها، وأوت من حمى السؤدد إلى مستقرها وسكنها.
متنقلة من عطن الفضل والكمال، إلى كنف السعادة والإقبال. وصادرة عن أنبل ولادة ونسب، إلى أشرف اتصال وأنبه سبب. وفي اليسير من لوازم فروضها، وواجبات حقوقها، ما صان رعايتي عن الوصاة بها، ونزه وفائي عن الاستزادة لها. وكيف يوصي الناظر بنوره، أم كيف يحض القلب على حفظ سروره... والله يوفقني لما يوفي على المحبة، والبغية فيه، بمنه وقدرته، وحوله وقوته.
ا.د. وسمية عبدالمحسن المنصور
بعض الآباء يعجز عن التعبير لأن عاطفته المشحونة قد أغلقت دونه منافذ التعبير، وبعضهم يرى أن الموقف يحتاج بلاغة لا يرى في نفسه مقدرة على الرقي إليها فيستكتب من يستمع لبثه ويستنطق مشاعره ليصوغها بلفظ الكاتب.
التجربة التي أنقلها إليك عزيزي القارئ تجربة رجل من رجال السلطة زوج ابنته لمن هو كفؤ لها في الرتبة الاجتماعية لكنه يقيم بعيدا عن موطنها وديار أهلها، لا يملك الأب وهو يجهز ابنته للرحيل إلا أن يكلف من رجال دولته رجلا من أقرب خاصته يرافق موكب الابنة العروس وحمله رسالة إلى زوجها يوصيه وصية تقطر رقة في مخاطبة المرسل إليه، وتفوح شفقة على ابنته، وتفصح عما يعتمل في جوانحه من محبة لابنته وقلق على ما ينتظرها في مرابع غريبة عنها، ورفقة لم تعتد عليها.
ولما كان الأب لا يحسن التعبير كتابة، وإن كان قائد دولة فالبيان موهبة وتدريب فقد استعان بكاتبه.
الرسالة في كتاب قرى الضيف 1/31 استكتب فيها (عز الدولة باختيار) أحد كتابه وهو (أبو إسحاق) رسالة وجهها إلى (عدة الدولة أبي تغلب) والي الموصل وكان باختيار قد زوج الوالي ابنته ولا بد من نقلها إلى زوجها، واستأمن (باختيار) أحد رجال دولته وهو (أبو النجم بدر الحرمي) على صحبة ابنته ونقل رسالته التي دبجها (أبو إسحاق) فصلا من كتاب استحسنه الناس وتحفظوه وأقر له بالبراعة والبلاغة كل بليغ ونص الرسالة: «قد توجه أبو النجم بدر الحرمي، وهو الأمين على ما يلحظه الوفي بما يحفظه نحوك، يا سيدي ومولاي -أدام الله عزك- بالوديعة.
وإنما نقلت من وطن إلى سكن، ومن مغرس إلى معرس، ومن مأوى بر وانعطاف إلى مثوى كرامة وإلطاف.
ومن منبت درت لها نعماؤه إلى منشأ تجود عليها سماؤه، وهي بضعة مني انفصلت إليك، وثمرة من جنى قلبي حصلت لديك. وما بان عني من وصلت حبله بحبلك، وتخيرت له بارع فضلك، وبوأته المنزل الرحب من جميل خلائقك، وأسكنته الكنف الفسيح من كرم شيمك وطرائقك. ولا ضياع على ما تضمه أمانتك، ويشتمل عليه حفظك ورعايتك. وأرجو أن يقرن الله موردها بالطائر السعيد والأمر الرشيد، والعز الزائد والمجد الصاعد، والنماء في الائتلاف والعصمة من الفرقة بالخلاف. حتى تكون عوائد البركة بأحوالها منوطة، ومن عوادي الأيام وغيرها محوطة».
بعد نهاية الرسالة يعلق صاحب الكتاب مفسرا علة وصف الابنة بالوديعة يقول: «وإنما ألم أبو إسحاق في تسميته لها بالوديعة بالفصل الذي كتبه جعفر بن محمد بن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون في ذكر ابنته قطر الندى المنقولة إليه وهو: «وأما الوديعة أعزك الله فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك».
وفي مجلس أبي تغلب؛ قرئت الرسالة فاعتمد في الجواب عنه على كاتبه أبي الفرج الببغاء الذي كتب كتابا ردا على رسالة الأب؛ جاء فيها: «وأما أبو النجم بدر الحرمي - أيده الله- المستوجب للارتضاء والإحماد، الموفي بمناصحته على كل مراد، فقد أدى الأمانة إلى متحملها، وسلم الذخيرة الجليلة إلى متقبلها. فحلت من محل العز في وطنها، وأوت من حمى السؤدد إلى مستقرها وسكنها.
متنقلة من عطن الفضل والكمال، إلى كنف السعادة والإقبال. وصادرة عن أنبل ولادة ونسب، إلى أشرف اتصال وأنبه سبب. وفي اليسير من لوازم فروضها، وواجبات حقوقها، ما صان رعايتي عن الوصاة بها، ونزه وفائي عن الاستزادة لها. وكيف يوصي الناظر بنوره، أم كيف يحض القلب على حفظ سروره... والله يوفقني لما يوفي على المحبة، والبغية فيه، بمنه وقدرته، وحوله وقوته.