أ.د. سامر جميل رضوان
تعريف العلاج النفسي :العلاج النفسي تسمية جامعة لكل طرق المعالجة النفسية العيادية أو النفسية التي تهدف إلى شفاء الأمراض النفسية أو المعاناة النفسية الجسدية وإلى تنمية الشخصية. وعندما نقول أن المعالجة نفسية فهذا يعني استخدام الطرق العلاجية النفسية فقط وليس أي شكل آخر من العلاج (كالعلاج النفسي الدوائي ). أي أن العلاج النفسي يعرَّف من خلال استخدام طرق التأثير النفسية. ومن هنا فأهداف العلاج النفسي تكمن مساعدة الناس على التخلص من الأعراض المرضية النفسية التي يعانون منها أو التخفيف منها ومساعدتهم على تنمية شخصيتهم وتحقيق تفاعل أفضل مع البيئة المحيطة. كما ويهدف العلاج لنفسي إلى زيادة فهم الإنسان لنفسه وتحديد إمكاناته وقدراته.
شخصية المعالج ومؤهلاته و أخلاقياته ومسلكياته
المعالج النفسي يمكن أن يكون طبيباً ويمكن أن يكون متخصصاً نفسياً عيادياً وكلاهما تخصص بعد أن أنهى دراسته في ممارسة واحد أو أكثر من طرق العلاج النفسي المعترف بها.وهناك فرق بين الطبيب النفسي والمعالج النفسي. فالطبيب النفسي هو الطبيب الذي تخصص بالطب النفسي وعلاجه قائم على الأغلب على استخدام الأدوية النفسية. أما المعالج النفسي فهو الطبيب النفسي أو المتخصص النفسي الذي تخصص بالعلاج النفسي. وهذا التفريق مهم برأيي لأنه هناك خلط كبير بين مهنة الطبيب النفسي والمعالج النفسي. ومن هنا فإن مؤهلات المعالج النفسي لابد وأن تكون التخصص بالطب النفسي بالنسبة للطبيب أو التخصص في علم النفس الإكلينيكي بالنسبة لغير الطبيب و من ثم التخصص في واحدة أو أكثر من طرق العلاج النفسي المعترف من خلال اتباع دورات تأهيلية لدى جهات متخصصة بذلك والتي قد تستمر ثلاث سنوات كحد أدنى في ألمانيا مثلاً.
إن عمل المتخصص النفسي يقوم على الاستخدام الفني ذي المقومات العلمية، للمعارف والتقنيات النفسية، بهدف تعديل السلوك الإنساني، في واحد من ثلاث مجالات عريضة هي:
· مواجهة الأعراض النفسية المرضية، وزيادة القدرة على الحياة بشكل منتج.
· تحسين العلاقات الاجتماعية، وزيادة الوعي بالذات، وخاصة بمكنوناتها اللاشعورية
· زيادة القدرة على المواجهة الفعالة لشتى المآزم الحياتية والتطورية المفاجئة أو المتوقعة.
إنه يحترم كرامة الفرد واندماجه ضمن بيئة اجتماعية، ويعمل متقيداً باحترام الحقوق الإنسانية ويحميها. إن مهنة المتخصص النفسي هي مهنة مستقلة بطبيعتها، ولكن في إمكان المتخصص أن يعمل لصالح جهات رسمية أو خاصة.
2)المسؤولية
من واجب المعالج النفسي ممارسة مهنته بدقة وأن يكون على قدر الثقة الممنوحة له. عليه أن يكون دائما واعياً بالمسؤولية الاجتماعية، الناجمة عن كون مهنته تتيح له إمكانيات واسعة لممارسة التأثيرعلى الآخرين . إن المتخصص النفسي يقر بحق الفرد في أن يعيش على مسؤوليته وفق قناعاته الخاصة، ويسعى في نشاطه المهني من أجل تحقيق النزاهة والموضوعية . إنه يقظ (حساس) تجاه العوامل والتأثيرات الشخصية والاجتماعية والمؤسساتية والاقتصادية التي يمكن أن تقود إلى سوء استخدام أو استخدام غير صحيح لمعارفه وقدراته.
3)الكفاءة
يتطلب السلوك المهني المسؤول كفاءة تخصصية عالية (دكتوراه في علم النفس كشرط لازم وغير كاف). ومن واجب المتخصص النفسي أن يجاري المستوى الراهن من المعارف من خلال التدريب المستمر.
وعليه أن يعرف كذلك التعليمات السارية من أجل ممارسة مهنته. إن المتخصص النفسي لا يقدم سوى الخدمات التي تقع ضمن نطاق قدراته التي اكتسبها من خلال التأهيل و الخبرة التخصصية . إنه يسترشد هنا بالمعارف العلمية والتخصصية الحديثة ويستخدم الطرق المناسبة المعترف بها والمختبرة. إنه يتمسك بالمبدأ الأساسي للموثوقية العلمية ويختبر نجاح عمله. إنه لا يأخذ على عاتقه المهمات النفسية إلاّ إذا استطاع المحافظة على الواجبات المرتبطة بها. وعلى أساس من كفاءته يتصرف في المسائل العملية النفسية على مسؤوليته الخاصة و باستقلالية.
ما سبب هذه النظرة المعتمة للعلاج النفسي:
يرتبط تقديم الخدمات النفسية بأنواعها المختلفة بدرجة تطور الوعي في أي مجتمع من المجتمعات. ونلاحظ الآن ازدياد الوعي النفسي لدى المواطن العربي في إقباله على الخدمات النفسية. إلا أنه في كثير من الأحيان لا يعرف إلى من سيلجأ. ولكن للأسف هذا الوعي نحو ضرورة الخدمة النفسية غير مترافق مع وجود عدد كاف من المتخصصين الفعليين المؤهلين في هذا المجال لتقديم الخدمات النفسية. وبسبب ذلك فكثيراً ما يلجأ هؤلاء إلى الطبيب النفسي الذي يقوم بوصف الأدوية فحسب. ولكن من ناحية أخرى فإن وصف الأدوية النفسية مفيد في الحالات الذهانية فقط. أما في حالة مشكلات الحياة اليومية ومشكلات القلق والمشكلات المرتبطة بالأحداث الحياتية المرهقة فقلما تفيد الأدوية والأمر يحتاج إلى مساعدة نفسية من نوع أخر. وهذا ما يمكن أن يقوم به المتخصص النفسي أو الطبيب النفسي المتخصص بالعلاج النفسي.
ومن ناحية أخرى ماتزال هناك نظرة سلبية للعلاج النفسي على اعتبار أن العلاج النفسي هو (للمجانين) وأن من يراجع معالجاً نفسياً لابد وأن يكون مجنوناً. وهذا ما تعززه وسائل الإعلام للأسف من خلال عرضها لنماذج مختلفة من هذا القبيل في السينما والتلفزيون. المرض النفسي لا يختلف كثيراً عن المرض الجسدي وكلاهما بحاجة لمساعدة متخصصة فلماذا لا نخجل عندما نصاب بمرض جسدي ونخجل إذا ما شعرنا بالقلق أو التوتر أو بالاكتئاب …؟!.
كيف تكون العلاقة بين المعالج والمتعالج؟
العلاقة بين الطرفين علاقة مهنية خالصة. تقوم على واجبات من الطرفين. فمن واجب المعالج احترام المتعالج وتقدير إنسانيته وكرمته والحفاظ على سرية ما يسر له من معلومات وأن يقدم معارفه من أجل مساعدة المتعالج في أن يساعد نفسه. إنه لا يقحم أو يفرض على المتعالج أـية توجهات أو وجهات نظر خاصة ولا ينصحه القيام بأي سلوك بل يساعده من خلال المعرفة المتخصصة والأساليب العلاجية العلمية على النضج وتنمية شخصيته كي يجد طريقه بنفسه. ومن هنا فالمعالج لا يملك حلولاً سحرية ولا وصفات جاهزة للمشكلات النفسية وإنما يملك أساليب علمية تخصصية في مساعدة الشخص على أن يساعد نفسه. ومن واجب المتعالج أن يعمل في نفسه أيضاً وأن يسعى بجد وإخلاص لمواجهة ذاته ومناقشة قيمه وتصوراته وأن يثق بالمعالج وفي قدرته على مساعدته.
لماذا نحن بحاجة إلى المعالج النفسي؟
إن تنوع متطلبات الحياة وتعقيدها وتطورها المتسارع لابد وأن يحمل معه مشكلات مختلفة. كما وأن تعرض الإنسان لضغوط وإرهاقات مهنية واجتماعية متنوعة تجعله بحاجة إلى أساليب تقنية تساعده في التخفيف من حدة الإرهاقات والمتطلبات المهنية والحياتية بشكل عام. وهناك أشخاص يعانون من عدم الرضا عن حياتهم ويعانون من القلق والتوتر ولا يستطيعون تحقيق السعادة وأشخاص يعانون من ضغط الوالدين عليهم من أجل تحقيق مستقبل أفضل وطلاب يعانون من شدة الضغط بسبب رعب الامتحانات وأطفال يعانون من مشكلات سلوكية متنوعة و أسر تعاني من مشكلات في التفاهم والتواصل وأفراد يعانون من صراعات نفسية لا شعورية …الخ. وفي كل هذه الأشكال من المشكلات وغيرها نحتاج إلى المساعدة النفسية، وليس بالضرورة إلى العلاج النفسي. إننا نحتاج إلى العلاج النفسي عندما يصل ضغط المتطلبات الداخلية والخارجية إلى درجة لا نعود فيها قادرين على التفاعل السوي مع المحيط وعندما نشعر بأن ما نعاني منه يؤثر علينا ولا يمكننا التخلص منه. وفي كثير من الأحيان نحن بحاجة للعلاج النفسي من أجل تجنب حدوث اضطراب نفسي حقيقي أكثر شدة أو من أجل الوقاية ومنع مشكلة ما من التفاقم
انتشار الخدمات النفسية:
مازالت الخدمات النفسية غير منتشرة كثيراً في بلادنا لقلة عدد المتخصصين الفعليين بالعلاج النفسي أو بأشكال الخدمات النفسية المختلفة. وكما أشرت سابقاً فالأمر مرتبط بدرجة معينة من تطور الوعي الذي بدأنا نلاحظ تباشيره الأولى.
هل هناك اتجاهات مختلفة في العلاج النفسي ؟
الاتجاهات في العلاج النفسي متنوعة فمنها الطرق الكاشفة التي تستند إلى البحث عن الأسباب العميقة الكامنة خلف معاناة المتعالج وهناك الطرق غير الكاشفة أو المغطية أي التي لا تهتم بالبحث عن السبب العميق وإنما تعالج الأعراض الظاهرة وهناك طرق أخرى متنوعة تدريبية كالاسترخاء والطرق التشكيلية التي يتم فيها التعرض للمشكلة عن طريق التمثيل أو اللعب. وعموماً فإن الاتجاه الراهن في العلاج النفسي لا ينطلق من اتجاهات جامدة في التعامل مع الاضطرابات والمشكلات النفسية وإنما ينطلق من فاعلية أشكال معينة من العلاج لنوع محدد من المشكلات.
ويشكل عام هناك اليوم أساليب علاجية خاصة بمشكلات معينة أو أثبتت فاعليتها في معالجة مشكلات معينة أكثر من غيرها. وبالتالي لا يمكن القول بأن طريقة ما هي أفضل من الأخرى بل يمكن القول أن لكل نوع من أنواع المشكلات طريقته الخاصة في المعالجة التي تعطي نتائج أفضل وأسرع من غيرها.