رحيل الشهر الكريم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفقنا للإيمان، وبلغنا رمضان، ووفقنا لصيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه». فرحة الصائم لقد آن لنا أن نفرح بهذا الخير العميم، وقد انقضى وقت العبادة، وحان وقت الجزاء، «للصائم فرحتان؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه». إنها إحدى الفرحتين قد حان وقتها فأعطانا الله يومًا نفرح فيه لمنته علينا أن هدانا للطاعة ثم قبلها منا وأثابنا عليها وختمها لنا بعيد يتجدد نفرح فيه ونسعد. ونحن على موعد مع فرحة أعظم؛ إنها الفرحة الكبرى، يوم يرى الصائم صومه جُنة يحول بينه وبين نار جهنم: «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا». يوم يرى الصائم رائحة الخلوف وقد صارت أفضل وأطيب من رائحة المسك، يوم يرى الصائم العباد يجازيهم ربهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ثم يضاعف الجزاء للصائمين بغير حساب: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به». ورحل رمضان هذا هو رمضان قد رحل عنا، كنا بالأمس نترقب قدومه ونتأهب لاستقباله، فلما أقبل علينا محملاً بنفحات الرحمة سعدنا به ورجونا رحمة الله فيه وشعرنا بأبواب السماء تتفتح لقبول الدعاء من الصائمين والقائمين وأبواب الجنة تتفتح تنادي المؤمنين المتقين، فمن كان من أهل الصلاة نادى عليه باب الصلاة، ومن كان من أهل الصوم نادى عليه باب الريان، وأبواب النار تغلق، وشهوات النفس التي تَحَفّ بالنار تُكبح، ومردة الشياطين تسلسل وتصفد، ولكن سرعان ما رحل عنا رمضان يحمل في طياته صكوك المغفرة من الله لعباده المؤمنين الصائمين القائمين، فطوبى لعبد دخل في طاعة ذي الجلال والإكرام خوفًا وطمعًا فشملته الرحمة وأدركته المغفرة، وتعسًا لعبد أدرك رمضان فأعرض عن ربه وأقبل على شهوات نفسه واتبع هواه فلم يغفر الله له: «بعد عن الله من أدرك رمضان ولم يُغفر له». والمسلم الحق من تكون تقوى الله شعاره طوال حياته، والمؤمن الصادق الإيمان من يكون عمله بالطاعات واجتنابه للمعاصي والخطيّات دينًا له ومنهاجًا إلى أن يدركه الموت، فلا تزيده مواسم الخير إلا اجتهادًا في العبادة وحرصًا على الطاعة، فإذا انقضت هذه المواسم فإن آثارها تبقى متمثلة في حياته واقعًا ملموسًا، وعملاً مشاهدًا محسوسًا. لقد مر بنا هذا الشهر المبارك سريعًا، مضى وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه فيه، فهل تأسينا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح وهل أخذنا بأسباب القبول بعده واستمررنا على العمل الصالح، وهل أتبعنا الحسنة بالحسنة أم أتبعناها بالسيئة وكنا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ} [النحل: 92]، هل عزمنا على الاستقامة وعلى الطاعة والبعد عن المعصية؟ إن الإعراض عن الله وعن عبادته دليل على نقصان الإيمان وضعف العزيمة فيجب علينا أن نراقب الله وأن نستقيم إليه في جميع الأوقات وأن نتقرب إليه بالأعمال الصالحات، فرب رمضان هو رب جميع الشهور والأزمان. سنة الرحيل إن الرحيل سنة من سنن الله في كونه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27]، تَصَرَّمت الأعوام عامًا بعد عام، والناس في غفلة ساهون، أَمَا يشاهدون مواقع المنايا، في كل يوم يرحل عنهم بعض من كان بينهم يملأ الدنيا حياة ويؤمل فيها؟ فيا ليت شعري على أي شيء تطوى صحائف الأعمال أعلى أعمال صالحة وتوبة نصوح صادقة أم على تفريط في جنب الله تعالى؟ ماذا يقول رمضان عنا؟ لقد رحل رمضان وإن الله سائله عنا وهو أعلم، فماذا يقول؟ يقول: استقبلوني بالزينات والفوازير والمسلسلات والرقص والغناء، وما لذَّ وطاب من الطعام، وودعوني بالتواشيح والتواحيش، ولا أوحش الله منك يا شهر القرآن. ومع هذا فأكثرهم لا يقرأ القرآن ولا يفهمه ولا يعمل به فمنهم من يصوم ولا يصلي، ومنهم من لا يصوم ولا يصلي، منهم من لا يعقل أركان الإسلام وأركان الإيمان، فهم في حاجة ماسة إلى جبريل ليسأل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم ليجيب، فيتعلموا أمور دينهم من جديد، لم يعتصموا بحبل الله جميعًا، بل فرقت بينهم الحدود، تداعت عليهم أمم الأرض، يأخذون الثروات، ويدنسون المقدسات، ويدعونهم إلى الاستسلام تحت مسمى السلام. تحققت فيهم نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». قالوا: أَوَمِنْ قلة نحن يا رسول الله؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل»، يتقاتلون على السلطة والمال، وقوى الشرك والطغيان تقتلهم وتستذلهم في فلسطين والعراق. المَخْرَج من الفتن إنها فتن عمت وطمت، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا، فالمخرج في الرجوع إلى الإيمان والتوحيد، وفي تقوى الله عز وجل والتوكل عليه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}. الالتجاء إلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن الدعاء والالتجاء إلى الله والرجوع إليه هو أعظم مخرج من الفتن: «لا إله إلا الله ماذا أنزل الليلة من الفتن، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه- وحلق بأصبعيه السبابة والإبهام- من يوقظ صويحبات الحُجَر». وماذا تفعل صويحبات الحجر لمنع الفتن، ولماذا يوقظهن النبي صلى الله عليه وسلم؟ يوقظهن النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة بالليل والناس نيام وللدعاء والاستغفار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. ينبغي لنا أن نعاهد الله على أن نرجع إليه ونتوب من ذنوبنا. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه». فبايعناه على ذلك. المسارعة إلى التوبة علينا بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة». فهذا كتاب الله محفوظ بحفظه له، وهذا هدي محمد صلى الله عليه وسلم معروف، والله تعالى يوفق طائفة من الأمة للثبات على هذا المنهج لا تميل عنه، ليجعلهم قدوة للعباد وحجة عليهم فلنكن منهم ولا نكون عليهم، إنهم العلماء العاملون بالكتاب والسنة، ولنترك أهل البدع ودعاة الضلال ولا نغتر بهم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك». متفق عليه. والله من وراء القصد.
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، ووفقنا للإيمان، وبلغنا رمضان، ووفقنا لصيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»، «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه». فرحة الصائم لقد آن لنا أن نفرح بهذا الخير العميم، وقد انقضى وقت العبادة، وحان وقت الجزاء، «للصائم فرحتان؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه». إنها إحدى الفرحتين قد حان وقتها فأعطانا الله يومًا نفرح فيه لمنته علينا أن هدانا للطاعة ثم قبلها منا وأثابنا عليها وختمها لنا بعيد يتجدد نفرح فيه ونسعد. ونحن على موعد مع فرحة أعظم؛ إنها الفرحة الكبرى، يوم يرى الصائم صومه جُنة يحول بينه وبين نار جهنم: «من صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا». يوم يرى الصائم رائحة الخلوف وقد صارت أفضل وأطيب من رائحة المسك، يوم يرى الصائم العباد يجازيهم ربهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ثم يضاعف الجزاء للصائمين بغير حساب: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به». ورحل رمضان هذا هو رمضان قد رحل عنا، كنا بالأمس نترقب قدومه ونتأهب لاستقباله، فلما أقبل علينا محملاً بنفحات الرحمة سعدنا به ورجونا رحمة الله فيه وشعرنا بأبواب السماء تتفتح لقبول الدعاء من الصائمين والقائمين وأبواب الجنة تتفتح تنادي المؤمنين المتقين، فمن كان من أهل الصلاة نادى عليه باب الصلاة، ومن كان من أهل الصوم نادى عليه باب الريان، وأبواب النار تغلق، وشهوات النفس التي تَحَفّ بالنار تُكبح، ومردة الشياطين تسلسل وتصفد، ولكن سرعان ما رحل عنا رمضان يحمل في طياته صكوك المغفرة من الله لعباده المؤمنين الصائمين القائمين، فطوبى لعبد دخل في طاعة ذي الجلال والإكرام خوفًا وطمعًا فشملته الرحمة وأدركته المغفرة، وتعسًا لعبد أدرك رمضان فأعرض عن ربه وأقبل على شهوات نفسه واتبع هواه فلم يغفر الله له: «بعد عن الله من أدرك رمضان ولم يُغفر له». والمسلم الحق من تكون تقوى الله شعاره طوال حياته، والمؤمن الصادق الإيمان من يكون عمله بالطاعات واجتنابه للمعاصي والخطيّات دينًا له ومنهاجًا إلى أن يدركه الموت، فلا تزيده مواسم الخير إلا اجتهادًا في العبادة وحرصًا على الطاعة، فإذا انقضت هذه المواسم فإن آثارها تبقى متمثلة في حياته واقعًا ملموسًا، وعملاً مشاهدًا محسوسًا. لقد مر بنا هذا الشهر المبارك سريعًا، مضى وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه فيه، فهل تأسينا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالسلف الصالح وهل أخذنا بأسباب القبول بعده واستمررنا على العمل الصالح، وهل أتبعنا الحسنة بالحسنة أم أتبعناها بالسيئة وكنا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ} [النحل: 92]، هل عزمنا على الاستقامة وعلى الطاعة والبعد عن المعصية؟ إن الإعراض عن الله وعن عبادته دليل على نقصان الإيمان وضعف العزيمة فيجب علينا أن نراقب الله وأن نستقيم إليه في جميع الأوقات وأن نتقرب إليه بالأعمال الصالحات، فرب رمضان هو رب جميع الشهور والأزمان. سنة الرحيل إن الرحيل سنة من سنن الله في كونه: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27]، تَصَرَّمت الأعوام عامًا بعد عام، والناس في غفلة ساهون، أَمَا يشاهدون مواقع المنايا، في كل يوم يرحل عنهم بعض من كان بينهم يملأ الدنيا حياة ويؤمل فيها؟ فيا ليت شعري على أي شيء تطوى صحائف الأعمال أعلى أعمال صالحة وتوبة نصوح صادقة أم على تفريط في جنب الله تعالى؟ ماذا يقول رمضان عنا؟ لقد رحل رمضان وإن الله سائله عنا وهو أعلم، فماذا يقول؟ يقول: استقبلوني بالزينات والفوازير والمسلسلات والرقص والغناء، وما لذَّ وطاب من الطعام، وودعوني بالتواشيح والتواحيش، ولا أوحش الله منك يا شهر القرآن. ومع هذا فأكثرهم لا يقرأ القرآن ولا يفهمه ولا يعمل به فمنهم من يصوم ولا يصلي، ومنهم من لا يصوم ولا يصلي، منهم من لا يعقل أركان الإسلام وأركان الإيمان، فهم في حاجة ماسة إلى جبريل ليسأل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم ليجيب، فيتعلموا أمور دينهم من جديد، لم يعتصموا بحبل الله جميعًا، بل فرقت بينهم الحدود، تداعت عليهم أمم الأرض، يأخذون الثروات، ويدنسون المقدسات، ويدعونهم إلى الاستسلام تحت مسمى السلام. تحققت فيهم نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». قالوا: أَوَمِنْ قلة نحن يا رسول الله؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل»، يتقاتلون على السلطة والمال، وقوى الشرك والطغيان تقتلهم وتستذلهم في فلسطين والعراق. المَخْرَج من الفتن إنها فتن عمت وطمت، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا، فالمخرج في الرجوع إلى الإيمان والتوحيد، وفي تقوى الله عز وجل والتوكل عليه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}. الالتجاء إلى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن الدعاء والالتجاء إلى الله والرجوع إليه هو أعظم مخرج من الفتن: «لا إله إلا الله ماذا أنزل الليلة من الفتن، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه- وحلق بأصبعيه السبابة والإبهام- من يوقظ صويحبات الحُجَر». وماذا تفعل صويحبات الحجر لمنع الفتن، ولماذا يوقظهن النبي صلى الله عليه وسلم؟ يوقظهن النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة بالليل والناس نيام وللدعاء والاستغفار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. ينبغي لنا أن نعاهد الله على أن نرجع إليه ونتوب من ذنوبنا. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: «بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه». فبايعناه على ذلك. المسارعة إلى التوبة علينا بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: «إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة». فهذا كتاب الله محفوظ بحفظه له، وهذا هدي محمد صلى الله عليه وسلم معروف، والله تعالى يوفق طائفة من الأمة للثبات على هذا المنهج لا تميل عنه، ليجعلهم قدوة للعباد وحجة عليهم فلنكن منهم ولا نكون عليهم، إنهم العلماء العاملون بالكتاب والسنة، ولنترك أهل البدع ودعاة الضلال ولا نغتر بهم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك». متفق عليه. والله من وراء القصد.