دورنا في عصر الفتن
حسين بن سعيد الحسنية @hos3030 |
بسم الله الرحمن الرحيم زمن نعيشه مخيف ، وأيام تتناوب علينا ، محملةً بأحداثٍ جسيمة ، وفتن عظيمة ، لا تكاد تمر مرحلةٌ من زمن إلا وتحل على الناس من المصائب أعظمها ، ومن الخطوب أكبرُها ، فإذا انصهروا تحت وطأتها ، وأسرتهم داخل محيطها ، وأصبحوا من جندها ، جاءت أختُها تتخبط مسرعة ، متزينةً خادعة ، وكثير منهم في انتظارها متحفزون ، وفي استقبالها متهيأون ، فتفعل ما فعلت الأولى ، وهكذا الفتن تأتي متسارعةً متتالية ، يرقق بعضها بعضاً، قال ﷺ: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ، وإن أمتَكم هذه جُعِل عافيتُها في أولِها ، وسيُصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها ، وتجيء فتنةٌ فيرقق بعضها بعضاً ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه...» رواه مسلم. تأتي الفتن وهي تحجب ما وراءها من شر وفساد وبلاء عن أعين الناس، كما وصفها النبي ﷺ بالظلل ، فقد سأله رجل : هل للإسلام منتهى؟ قال ﷺ : " نعم ، أيُّما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام " قال : ثم مه ؟ قال : " ثم تقع الفتن كأنها الظلل " قال : كلا والله إن شاء الله ، قال : " بلى والذي نفسي بيده ، ثم تعودون فيها أساود صُباً – أيّ : الحيات السوداء المنتصبة شديدة اللدغ والنهش- يضرب بعضكم رقاب بعض ، فخير الناس يومئذ مؤمنٌ معتزلٌ في شعب من الشعاب ، يتقي الله ويذرُ الناسَ من شره ". رواه أحمد. تعرض الفتنُ على قلوب العباد ، ويختلفون تجاهها ، فمنهم من يستقبلها فيضِلُّ ويهلك ، ومنهم من يردُّها فيهتدي وينجو ، كما جاء في قول الحبيب ﷺ : " تعرضُ الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً ، فأي قلب أُشْرِبَها نكت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرَها نكت فيه نكتة بيضاء ، حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض ، والآخر أسود مرباداً ، كالكوز مجخياً ، لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً ، إلا ما أشرب من هواه " متفق عليه. الفتن تأتي مضطربةً مع شدة في قوتها واضطرابها ، فيكون تأثيرُها أبلغَ في القلوب والعقول والأفهام والأقوال ، فشبهها عمر كموج البحر، فقد ثبت عنه أنه قال : أيكم يحفظ قول رسول الله ﷺ في الفتنة ؟ فقال حذيفة : أنا أحفظ كما قال ، قال : هاتِ إنك لجريء ، قال : قال رسول الله ﷺ : " فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " , قال : ليست هذه ، ولكن التي تموج كموج البحر. متفق عليه. ومن صفات الفتنة أنها تأتي شديدةَ الاشتباه ، كونُها مظلمةً ، لا يتضح فيها جواب كثير من الناس , روى حذيفة t في حديثه المشهور الذي أصله في الصحيح ، ورواه أحمد وأبو داود بلفظ أن النبي ﷺ لما ذكر الفتن ومراحلها التي تمر بها قال في آخره : " فتنةٌ عمياء صماء ، عليها دعاة على أبواب النار ، فإن تَمُتْ يا حذيفة وأنت عاضّ على جذل - وهو أصل الشجرة - خيرٌ لك من أن تتّبع أحداً منهم " . الفتن – عباد الله- ليس لها قرار ، ولا ترتبط بموعد حضور أو انصراف ، إذا أقبلت تشبّهت ، وإذا أدبرت تبينّت . وإن المتأمل في زماننا هذا يدرك تماماً كيف عمّت تلك الفتن وطمّت ، ذنوبٌ ومعاصي وآثام ليل نهار ، عقوق وفرقة وتحاسد بين القلوب والأبصار ، عبثٌ ولهوٌ وضياعٌ بين الطبلة والمزمار ، فقرٌ وجوعٌ من هنا وهناك ، غلاءٌ في الأسعار ، قتلٌ وتشريدٌ وهتكٌ للأستار ، زلازلُ ومحن ، قلاقل وإحن ، الإسلامُ يحارَب في عقر داره ، والمسلمون ضحايا فوق تراب أراضيهم ، وليس لهم نصيرٌ إلا الله ، اهتمام بسفاسف الأمور ، وانجرافٌ خلف الدنيا والدون ، والكافر يصول ويجول ، والرافضي يزبد بأعلى صوته ويقول ، وتغريبيٌ ليس له هدف سوى كيف يذوب المجتمع في الرذيلة ويؤول ، أمراض فتاكة لم تعرف من قبل ، وموت فجأة للشباب أكثر من الشيب ، إلى آخر تلك السلسلة المهيبة من الفتن العظيمة التي تصبّحنا وتمسيّنا، وإن من واجب المسلم أن يقف وقفة حق ومحاسبة أمام هذه الفتن ، وأن يكون له وقفة جادة حيال ردِّها وإنكارها بكل ما أوتي من قوة ، ولا يحصل له ذلك إلا حينما يتعرف عليها أولاً ، ثم يتعرف على واجبه تجاه ردها وإنكارها . ومن أول تلك الواجبات ومما يعين على مواجهة الفتن بإذن الله تعالى : |